هل شهد عام 2017 تحولا يذكر في طبيعة تديُّن المغاربة؟ كيف كانت علاقة المغاربة مع دينهم هذا العام (الطاعات والعبادات، مظاهر التدين، الحجاب، صلاة الشباب في المساجد…) هل في تزايد أم تراجع؟ وكيف كانت علاقة المغاربة مع القيم الأخلاقية والتربوية خلال هذه السنة المنصرمة؟
أسئلة يجيب عنها الأستاذ أبو بكر بن الصديق، عضو مجلس إرشاد الجماعة وأمين الهيئة العامة للتربية والدعوة بها في هذا التصريح الذي خص به موقع الجماعة نت.
فقد أوضح الأستاذ بن الصديق في تصريحه أننا “نحن المغاربة، شعب مسلم متأصل فينا التدين منذ أن وصلنا الإسلام في العقد السابع من القرن الهجري الأول، آمن أجدادنا الأوائل برسالة سيد الأنام، وعُرِفنا بتشبثنا بدين الإسلام وبمحبة آل بيت النبي عليه الصلاة والسلام، الذين وجدوا دائما في بلدنا المأوى الآمن والحصن الحصين بل ووجدوا من التجلة والتوقير والمعزة والتقدير ما لم يجدوه في كثير من البلدان، وما لجوء حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إدريس بن عبد الله الكامل إلى المغرب، فارا من ملاحقة ملوك الجبر والجور بالمشرق، واحتفاء المغاربة به بل واختيارهم -عن رضى وطيب نفس- أميرا عليهم، إلا دليل على هذا التشبث وتفعيل لقوله عز من قائل، قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ.“
واستطرد قائلا: “أي نعم! لقد وجد حفدة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المغرب والمغاربة – وعبر مختلف الحقب والأزمان – السند والنصير، والمحبة والتقدير، فعوملوا أحسن معاملة وأكرموا أيما تكرمة، فاندمجوا في المجتمع المغربي وتصاهروا مع السكان الأصليين، حتى إنه يمكن الجزم بأن الشعب المغربي يضم ضمن مكوناته أكبر تجمع لأحفاد نبي الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام في العالم، خاصة المنحدرين من صلب سيدنا الحسن بن علي عليهما السلام”.
وأضاف بن الصديق أن “تدين المغاربة وتأصلهم ورسوخهم في دين الله، الذي استمر ثلاثة عشر قرنا ما كان ليتغير سنة 2017. ويتسنى بكامل السهولة ومنتهى اليسر لمعتاد المساجد، أن يلاحظ كل سنة أن نسبة نمو أعداد صفوف المصلين المرتادين لها والتي تزداد بعشرات الصفوف في شهر رمضان من كل عام، لا تعود بعد انصراف الشهر الفضيل إلى ما كانت عليه، بل تعرف إضافة صفين أو ثلاثة – في المعدل- في صلاتي الظهر والعصر وأربعة صفوف أو أكثر في صلاتي المغرب والعشاء، ولا تنزل هذه الإضافة عن صفين ينضافان كل سنة إلى صفوف المصلين صلاة الفجر.
وإذا كان من السهل على المتتبع معاينة تطور التدين والتمسك بثوابت الدين في صفوف الرجال من ملاحظة تطور صفوف الصلاة في المساجد، فإن عليه لمعرفة تطور التدين في صفوف النساء ملاحظة تطور التزيي باللباس الشرعي أو ما يسمى بالحجاب. وأنسب مكان لملاحظة هذا التطور المستشفيات العمومية (باستثناء المستشفى العسكري الذي يمنع فيه على الموظفات به ارتداء الحجاب، في تعسف ومساس بحقوق الإنسان في التدين لا يقرهما شرع ولا قانون) والأسواقُ، نظرا لعدم استغناء جميع الشرائح الاجتماعية عن خدماتها. ومن السهل المتاح لكل أحد ملاحظة أن الحجاب وما يحمله من رمزية للتدين بالنسبة للمرأة المسلمة، آخذ في الانتشار بين صفوف عامة المغربيات، سنة بعد أخرى، ولم يعد حكرا على بنات الحركة الإسلامية أو من كن يطلق عليهن لقب “الإخوانيات” في عقدي الثمانينيات والتسعينيات”.
وعن السبيل إلى ترسيخ قيم الإسلام الخالدة لتكون منارة هادية في سلوك المغاربة اليومي أجاب الأستاذ بن الصديق “أن موجة التدين والالتزام بتعاليم الدين التعبدية من إقامة الصلاة والصوم في رمضان بل وفي الأيام التي انتدبنا لصيامها كالاثنين والخميس من كل أسبوع ويومي تاسوعاء وعاشوراء ويوم عرفة (ومما يؤكد هذا، ارتفاع وتيرة اقتناء التمور في هذه الأيام)، هي في ارتفاع مضطرد ولله الحمد وله سبحانه المنة.
لكن مظاهر التدين هذه والإقبال على الأعمال العبادية من صوم وصلاة وغيرها، ورغم أهميتها وفضلها ورمزيتها – كيف لا وقد نصت النصوص الشرعية القطعية على ضرورتها- غير كافية ولا وافية للظفر برضى الرب عز وعلا، ما لم تكن مصحوبة بحسن الأخلاق وصواب المعاملة واستقامة السلوك، إذ أن أعمال الجوارح رهينٌ قبولُها وحيازةُ أجرها بصلاح أعمال القلوب وما تنطوي عليه من نيات وما تُكْسِبُه من خصال”.
وأضاف: “تأتي التربية على محكمات الدين ومقاصده وغاياته ومراميه، لتعطي للمظهر مخبرا وللأعمال غايات وأهدافا، وللقشر لبا وللفعل نية. وهذه التربية هي مطلب الدعوة ووظيفتها وشغلها الذي يجب أن لا تنشغل عنه”. واستدرك قائلا: “لكن للأسف، كل ما رأيناه سواء في سنة 2017 التي ودعناها أو قبلها وما سنراه ونعاني منه في هذه السنة (2018) وما بعدها، إذ لا يلوح في الأفق إطلاقا أن نية الحكام في التصالح مع الدعوة وفسح المجال لها لتَقومَ بدورها التربوي الإصلاحي، لا يبدو هذا مأمولا في أمد قريب، وكل ما نراه من تضييق على الدعاة ومحاصرتهم وقمعهم وتشويه سمعتهم، إنما يقصِد ويستهدِف الحيلولةَ دون توبة الأمة وأوبتها إلى الله واستجابتها الجماعية لنداء الحق في محكم تنزيله: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (سورة النور : الآية31). فالاستكبار والاستبداد، كما ضاقا في العصر الأول برسالة الإسلام يضيقان في كل زمان وكل مكان بمن يحمل مشعلها من جديد ليوصلها للناس كافة في صفائها ومراميها. ورسالة الإسلام تلخصها الآية الكريمة من سورة الأعراف. قال تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ، فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. كما يلخصها قول الصحابي الجليل ربعي بن عامر لرستم قائد الفرس في معركة القادسية: “إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه…”. هذه الرسالة التي ضاق بها قوم رستم في ذلك الزمان يضيق بها اليوم في 2018 القوم الذين عرفتم.
لكننا نقول للدعاة صبرا صبرا فـإِنَّ الأرض للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ. اللهم اجعلنا منهم“.