اعتبر الأستاذ رشيد بوقسيم، عضو المكتب الوطني لشبيبة العدل والإحسان، أن الاستقامة هي من أعظم التكاليف وأهمها إذ أُمِر بها سيد الخلق حبيب الحق سبحانه وأمِر بها المؤمنون من بعده في قوله تعالى: “فاستقم كما أمرت ومن تاب ومعك” وآيات أخرى كثيرة في القرآن، لافتا إلى أنها أساس هذا الدين وعليه تبنى قواعده بناء متينا لكي يصمد في وجه رياح البلايا ولا تزعزعه أمواج الفتن، وهذا أساس اهتمام الإمام المرشد عبد السلام ياسين رحمه الله بهذا الموضوع في تربيته للمؤمنين خاصة منهم الشباب.
الشباب قوة إذا لم تدعمها التربية تكون حماسة تذروها الرياح
بوقسيم في تصريح خاص لـ”بوابة العدل والإحسان” بمناسبة الذكرى 12 لرحيل الإمام عبد السلام ياسين، أشار إلى أن الشباب كما كانوا قوة وفتوة وإرادة؛ إلا أنهم إذا لم يتلقوا تربية إيمانية قرآنية على أساس الاستقامة فإن تدينهم لا يعدو أن يكون حماسة تذروها رياح الأيام القليلة، وزبدا تلقيه أمواج الفتن، فتخبو طاقات وتخمد إلى غير رجعة والعياذ بالله.
وتابع موضحا أن هذا الوضع هو ما كانت تعيشه عدد من التنظيمات الإسلامية، التي استقبلت الشباب بين أحضانها دون أن يعوا روح الدين ولبه فما لبثوا أن انقلبوا على أعقابهم، وهذا الأمر كان مما يؤرق الإمام المجدد آنذاك فحرص أول الأمر على توجيه الشباب لفهم الدين والاستقامة على الشرع الحنيف ولزوم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا. كما وردت في مواضع عدة من كتاب الله تعالى ومنها: وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا، وفي قوله تعالى وهو يخاطب سيدنا موسى وسيدنا هارون عليهما السلام: قد أجيبت دعوتكما فاستقيما وذكر سبحانه عباده المؤمنين والذين اتصفوا بهذه الصف إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا.
الاستقامة وحسن الخلق وجهان لعملة واحدة
وفي علاقة الاستقامة بحسن الخلق، أكد بوقسيم أنهما وجهان لعملة واحدة، ولا يعقل أن يكون المؤمن مستقيما على شرع الله تعالى مقبلا على ربه وخلقُه سيئ مع أهله وجيرانه والناس أجمعين.
ومما يحز في النفس، يضيف المتحدث: “أن تجد شبابا “ملتزمين” يحرصون على المظهر في اللباس والهيئة وبعض العبادات الظاهرية وقلوبهم خواء من الإخلاص لله تعالى ومن الرحمة بخلق الله تعالى، بل قد تجد والعياذ بالله عند بعضهم سوء خلق وتقصيرا في المعاملات مع الناس قد لا تجده عند باقي الناس”.
وأوضح تخصيص الإمام المجدد لموضوع الأخلاق برسالة هي “رسالة المروءة وحسن الخلق” أرسلها لعموم أعضاء الجماعة وشبابها خاصة بتاريخ 22 ربيع الأول 1409 للهجرة سنة 1989 ميلادية.
التدين بلا أخلاق “واجهة كاذبة”
ويرى المتحدث أن هذه الرسالة كانت بحق تظهر حرصه رحمه الله واهتمامه بالبعد الأخلاقي في تأطير الشباب وإيلائه الأهمية القصوى، في مقابل تحسره على من يفصلون بين التدين والأخلاق. وأورد هنا كلاما للإمام يقول فيه “ومما ابتليت به الدعوة هذه الواجهة الكاذبة أحيانا، واجهة ”الالتزام”. الشاب ”الملتزم” لا عليه إن سجل اسمه في سرب “الملتزمين” أن يكون بلا كرم، والكرم هو الدين، وأن يكون بلا خلق والخلق أخ الدين، وأن يكون بلا عقل والعقل هو المروءة”.
واستحضر بوقسيم فقرة أخرى للإمام عن أهمية الأخلاق وعلاقتها الوطيدة بالاستقامة يقول فيها: “والخلق الحسن معيار أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة، وأوصى به وألح في الوصية كي لا يظن المسلمون أن الله يقبل تدينا رهبانيا ”سماويا” حتى يكون تعاملنا مع الناس في الأرض مقوما بقيم أهل الأرض”.
وجرد بوقسيم في حديثه إلينا، عددا من الأحاديث في هذا الباب، منها قوله صلى الله عليه وسلم: ”إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم” أبو داود. وقوله صلى الله عليه وسلم: ”يا معاذ أحسن خلقك للناس” الموطأ. وقوله: ”إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا وألطفهم بأهله” الترمذي. ”أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لأهله” أبو داود والترمذي.
التربية لب المشروع التغييري للأستاذ عبد السلام ياسين
وعن وظيفة التربية وأهميتها في المشروع التغييري للأستاذ عبد السلام ياسين، قال بوقسيم إنها أهم ما يحمله هذا المشروع الذي أسماه “المنهاج النبوي” أي منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم في التربية والتنظيم والجهاد.
واسترسل المتحدث كلامه مؤكدا أن هذا المشروع يعتمد أساسا على مادة تربية الإنسان، إذ هو المحور وعليه مدار الأمر كله. وأورد كلاما للإمام يقول “لا جهاد بلا تربية، ولا يكون التنظيم إسلاميا إن لم تكن التربية إيمانية”، وهذا يعضد كلامه في الندوة الصحفية التي عقدها بعيد رفع الحصار، حين سئل عن مشروعه وما ينوي فعله فقال: “التربية ثم التربية ثم التربية”
وعن حدود تأثير التربية في تكوين شخصية الشباب، لفت بوقسيم إلى أن التربية على الأسس التي عالجها الأستاذ عبد السلام ياسين “لا بد أن يكون لها أثر في سلوك الشباب الذين تلقوها طال الزمن أو قصر”، مؤكدا أنها أنشأت بفعل الله تعالى وتوفيقه وهدايته أجيالا من شباب الجماعة شهد لهم القاصي والداني وشهد لهم العدو قبل الصديق بالمروءة والحلم وحسن الخلق، شباب تخلوا عن العنف لفظا ومعنى وسلوكا وتربوا عوضا عنه على الرفق والحوار وقبول الآخر.
النموذج الذي ربى عليه الإمام رحمه الله شبابَ الجماعة في الاستقامة
ومن مظاهر هذه التربية كما أثمرت في شباب الجماعة، يقول بوقسيم إنهم يعتبرون بر الوالدين، أساس السلوك إلى الله وحسن الجوار دليلَ الإيمان بالله تعالى ويعتبرون الصبر على الأذى -أذى القريب والبعيد- هديا نبويا وسلوكا يقتفي أثر الصالحين من هذه الأمة، كما أنهم لا يرضون بالذل والخنوع والهوان.
وتابع: “فتراهم حاضرين في مواقف نصرة المستضعفين في هذا البلد الحبيب يتهممون بهمومهم ويناضلون برفق الإسلام لرفع الظلم عنهم، ويستشعرون جسد الأمة الواحد من عرب وعجم، فتراهم مناصرين لقضايا المسلمين حيثما كانوا بل مناصرين لقضايا الإنسانية جمعاء تأسيا بسيد الخلق حبيب الحق صلى الله عليه وسلم”.
وأضاف في حديثه عن التربية المتوازنة لدى الشباب، مشددا على أنها تنتج شبابا متزنا في شخصيته، قصده طلب وجه الله تعالى متبتلا في محراب الليل بين يدي ربه سبحانه، وساعيا مجدا في دراسته وطلبه للعلم إعدادا للقوة الذي أمرنا به، ومتقنا لعمله في معمله ووظيفته لأن الإتقان من معاني الإحسان مخالقا أهله بخلق حسن امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”.
وخلص بوقسيم في حديثه إلى أن هذا النموذج هو الذي ربى عليه الإمام رحمه الله تعالى شباب الجماعة وحثنا لنربي عليه شباب أمتنا. وقد رأينا فيه تجسيدا حيا لمعنى الاستقامة على شرع الله وتمثلا حيا لمخالقة الناس بالخلق الحسن. يقول رشيد بوقسيم عضو المكتب الوطني لشبيبة العدل والإحسان.