في هذا الحوار يدلنا المهتم بقضايا التربية والدعوة الأستاذ عبد الرحمان حرور، على العوامل المساعدة على دوام الإقبال على الله سبحانه وتعالى بعد شهر رمضان الكريم، والمحافظة على ما اكتسبه المؤمن من مداومة على الطاعات وفعل الخيرات، واستثمارها في السلوك إلى الله عز وجل.
قبل أيام رحل عنا الشهر الكريم، شهر رمضان العظيم، الذي يساعد المسلم بكل ما فيه من أجواء ربانية وروحانية على الإقبال على الله. كيف يتواصل هذا الإقبال ولا تفتر تلك الهمة التي تدفع المؤمن نحو الطاعات وتبعده عن المعاصي بعد انقضاء شهر القرآن؟
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه الطيبين الطاهرين.
المؤمن بالله عز وجل الموقن بلقائه مطلوب إليه أن يعبد ربه في كل وقت وحين، بغض النظر عن الأجر المنتظر والتواب المتوخى، قال الله عز وجل في سورة الحجر واعبد ربك حتى يأتيك اليقين. بهذه النية يتواصل إقبال العبد على مولاه ولا تفتر همته لعلمه يقينا أنه سيلقى ربه ويقف بين يديه، كما قال عز من قائل يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه.
كما أن القناعة من الله حرمان، ولا يدري العبد المؤن والأَمَة المؤمنة هل قبل عمله أم لا، ثم إن لله نفحات يتعرض لها العبد الموفق لرأب الصدع وتدارك ما فات. روى الطبراني رحمه الله في الكبير عن سيدنا محمد بن مسلمة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدا”.
ما دلالة تشريع صيام الست من شوال مباشرة بعد رمضان؟
في صحيح مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شـوال كان كصيام الدهـر”.
في هذا الحديث دلالات وإشارات عديدة، لعل أهمها هو فضل الله على هذه الأمة ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لجبر صيام رمضان ومضاعفة الأجر ومحافظة المؤمن على يقظته الدائمة. والنوافل عموما إنما شرعت لجبر الفرائض، ثم إنها من أهم الأسباب الموجبة لمحبة الله عز وجل. روى الإمام البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى قال: من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر فيه، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعـطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه”.
ما سر هذا الأجر العظيم؛ إذ صيام هذه الست بعد شهر رمضان يعدل صيام سنة؟
ينبغي التنبيه أولا أن هذا عطاء الله وما كان عطاء ربك محظورا، وهذا محض فضل الله قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون، وإذا كان لابد من العد والحساب لأن النفس أميل إلى ذلك فإن العلماء فسروا الحديث في كون الحسنة بعشر أمثالها، وعليه فستة وثلاثين يوما أو أقل بيوم تعدل السنة من الأجر.
كان الصحابة الكرام يعيشون على وقع روحانية شهر المغفرة والرحمة والعتق ستة أشهر ثم يبدؤون في الاستعداد له ستة أشهر أخرى، كيف نقتفي أثرهم ونَحيى سيرتهم؟
من أهم ما تعلمه الصحابة رضي الله عنهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسيروا إلى الله على جناحي الخوف والرجاء. كانوا يخافون أن لا تقبل أعمالهم وأن ترد عليهم، والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون. روى الترمذي وغيره عن عائشة قالت: “سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة، قالت عائشة: أهم الذين يشربون الخمر، ويسرقون؟ قال: لا، يا بنت الصديق أو يا بنت أبي بكر، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون، وهم يخافون ألا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات”، فالإخلاص سر من أسرار الله سبحانه لا يطلع عليه ملك مقرب ولا شيطان مارد. وبهذا الندم وهذه الحسرة كانوا يرجون الله أن يمد في أعمارهم ليغنموا شهر رمضان القابل.
فالعبد الموفق هو من ينظر إلى رمضان المنصرم بعين التقصير والاستغفار ويرقب رمضان القابل بهمة الانتظار، مثل انتظار الصلاة بعد الصلاة.
هل من برنامج مقترح للحفاظ على أجواء رمضان بعد انقضائه؟
دوام الحال من المحال كما يقال. وأجواء رمضان لا يصنعها فرد لوحده، من أين له أن يأتي بأجواء شهر فيه المساجد عامرة، والعبادة آسرة، فيه شفاء القلوب الحائرة. أجواء رمضان تصنعها أمة بأسرها. لكن على المسلم أن يحافظ على صلاة الفريضة وركيعات النوافل خاصة وقت السحر، وعلى صيام الخميس والإثنين والأيام البيض، وقراءة جزء من كتاب الله بنية ختمه مرة في الشهر، لأن “أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل” و“أحب الدين ما داوم عليه صاحبه”.
ومن جهة أخرى يجتهد المسلم في الدعاء كي يطهره الله قلبه من باطن الإثم؛ من غيبة ونميمة وحقد وحسد، كما يحرص على تدريب نفسه على الصبر والصفح وحسن الخلق الذي يجعل صاحبه أقرب مجلسا من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
بماذا تنصح المسلم كي يدوم إقباله على الله وكي يكون عامه كله “رمضان”؟
أنصحه أن يتخذ رفقة صالحة يتعاون معها على الخير والطاعات ويتقوى بها ويتحصن من الوقوع في الزلات، كما يتعين عليه الاشتغال بذكر الله عز وجل. وفي انتظار أن تعيش الأمة كلها أجواء رمضان العام كله، يبحث عن مجموعة من المؤمنين يتعاون معهم على هذا الخير ويدل عليه، ويدعو إلى الاعتصام بكتاب الله “ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم”، وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبمحبته التي هي العروة الوثقى.
ومن باب “كان الصحابة يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني”، كما جاء في حديث سيدنا حذيفة رضي الله عنه، فإني أنصح نفسي وكل مسلم ومسلمة، وخاصة الشباب بتحصين هذا الخير من سرقة اللصوص من شياطين الجن والإنس، والحذر الشديد من سلبيات بعض الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، وتوظيفها فيما يفيد ويخدم دعوة الله. والحمد لله رب العالمين.