أكد الأستاذ المصطفى حمور، الداعية وعضو الهيئة العامة للتربية والدعوة لجماعة العدل والإحسان، أن “صنائع الخير” في شهر رمضان المبارك شاملة كما أن جلائل الأعمال فيه عامة لا تنتهي ولا تنقضي.
رمضان شهر العبادة وخدمة الآخرين
الأستاذ حمور وفي تصريح خاص لـ“بوابة العدل والإحسان” أشار إلى اقتران العبادة بالخدمة في هذا الشهر الفضيل، فقال إن رمضان هو شهر العبادة من صيام وقرآن وذكر وقيام بالليل ودعاء، وهو شهر يخدم فيه عبادُ الله الآخرين، بالخير والكرم والعطاء والتوجيه والإرشاد والتعاون على البر والتقوى.
ومن معاني الاهتمام بالآخرين يقول الأستاذ حمور “أن يتكاثف الناس جميعا من أجل إسناد الفقراء وإسعاد المحتاجين”، مشيرا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، وكان سباقا صلوات الله وسلامه عليه إلى كل أبواب الجود والبر والإحسان، موردا في ذلك حديثا متفقا عليه لابن عباس رضي الله عنهما قال فيه: “كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بالخَيْرِ، وَكانَ أَجْوَدَ ما يَكونُ في شَهْرِ رَمَضَانَ إنَّ جِبْرِيلَ عليه السَّلَامُ كانَ يَلْقَاهُ، في كُلِّ سَنَةٍ، في رَمَضَانَ حتَّى يَنْسَلِخَ، فَيَعْرِضُ عليه رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ القُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَجْوَدَ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ”.
وأشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى من نفسه النموذج والمثال ثم رغب بالمقال في الانفاق والعطاء والهدية والصدقة، ويندرج في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في تفطير الصائم، في حديث قال عنه الإمام الترمذي حسن صحيح: “من فطَّر صائماً، كان له مثلُ أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً”.
المسارعة إلى الإنفاق في زمن ارتفاع الأسعار ضرورة وفضيلة
واعتبر حمور أن الإنفاق في رمضان هو على إطلاقه “ولو شربة ماء”، موضحا أن العطاء ليس له شكل واحد، فقد يكون قفة رمضان، أو مالا، كسوة، بناء، إطعاما، تيسير الماء للناس وغير ذلك، مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أبو داود والترمذي، وأحمد: “أيُّما مُؤمِنٍ سَقى مُؤمِنًا شَرْبةً على ظَمأٍ، سَقاه اللهُ يومَ القِيامةِ منَ الرَّحيقِ المَخْتومِ، وأيُّما مُؤمِنٍ أَطعَم مُؤمِنًا على جوعٍ أَطعَمه اللهُ من ثِمارِ الجَنَّةِ، وأيُّما مُؤمِنٍ كَسا مُؤمنًا ثوبًا على عُرْيٍ كَساه اللهُ من خُضْرِ الجَنَّةِ”.
وحض القيادي في العدل والإحسان كل مؤمن على المسارعة إلى الخير بما يستطيع خاصة الآن “لأن الناس قد اكتووا بسعار الغلاء وأنهكوا بارتفاع الأسعار وحوصروا في الأرزاق”، وأشار إلى حديث أخرجه أبو داود، وأحمد رحمهما الله، قال فيه صلى الله عليه وسلم: “أيُّ الصدقةِ أفضلُ قال جُهْدُ المُقلِّ وابدأْ بمن تَعُولُ”. وتابع: “أن يتصدق المؤمن وهو على القلة والحاجة وضيق المال فقد فتح له باب البركة والرزق والعطاء ولا شك”.
وذكر أن كثيرا من السلف كانوا يؤثرون بفطورهم وهم صائمون، منهم عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- وداود الطائي ومالك بن دينار، وأحمد بن حنبل، وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين. كما ذكر منهم من كان يطعم إخوانه وهو صائم، ويجلس يخدمهم ويروحهم، مثل الحسن وابن مبارك، وأورد مقولة لأبي السوار العدوي جاء فيها: “كان رجال من بني عدي يصلون في هذا المسجد، ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده، إن وجد من يأكل معه أكل، وإلا أخرج طعامه إلى المسجد فأكله مع الناس وأكل الناس معه”.
فلا معنى لمن صام ثم أفطر على الحلال ولم يحس بآلام الجائعين وآهات المعوزين، يقول حمور، ثم يضيف: “ومن الإنفاق كذلك الإنفاق على الأحباب والأصدقاء والأقارب تعميقا للصلات”، وذكر مقولة لبعض السلف: “لأن أدعو عشرة من أصحابي فأطعمهم طعاماً يشتهونه، أحب إلي من أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل”.
السلطة ملزمة بتهييء الأجواء بدل تحجيم عمل المحسنين والجمعيات الخيرية
وربط حمور بين الإنفاق وبين مقاصد الصيام، وقال إن تلك المقاصد من شأنها تحقيق التراحم والتواد بين عموم المؤمنين، كما أنها تعمق صلة الأرحام، وتمتن روابط الجيران، فضلا عن تلحيم مادة القرب بين الناس جميعا.
وهنا وجه كلمة إلى السلطات، مطالبا إياها بتهييء الأجواء لتحقيق هذا المطلب السامي عوض تحجيم العمل الاجتماعي بين الناس وإلجام المبادرات التي يقوم بها المحسنون والجمعيات الخيرية التي تعمل في هذا الباب.
وتأسف المتحدث على من وصفها بـ”بعض الجهات المسؤولة” التي لا تفعل الخير لترفع الحرج الاقتصادي على الناس وتخفف معاناة كثير من المساكين في ربوع الوطن، ولا تترك الماء يسري بين الناس. موضحا أن هؤلاء وأمثالهم يصدق فيهم قول الله تعالى: “ويمنعون الماعون”.
وخلص إلى أن عمل الخير ونشدان التكافل الاجتماعي تتآزر فيه جهود الأفراد والمنظمات الأهلية والجمعيات الإحسانية، وعلى الدولة أن تعبد الطريق لذلك وتذلل الصعوبات تحت مظلة العدل والكرامة الإنسانية والحكم الرشيد.