قال الداعية الأستاذ منير ركراكي أن مجلس “نصيحة الوفاء” يُعقد في سياق حدثين عظيمين؛ حدث ذكرى الوفاء الحادية عشر “وفاءً للإمام عبد السلام ياسين رحمه بما ربّى وعلّم ونصح، وترك إرثا له باقيات صالحات؛ صحبة وجماعة، صحبة في جماعة، ومنهاج نبوي، وطليعة مجاهدة، وأعمالا هي عُمره الثاني بعد انقضاء حبل الحياة، وبرازخ الموت لا تحبس الصلات؛ علم ينتفع به وصدقة جارية وولد صالح يدعو الله”. سائلا الله عزّ وجلّ أن يجازي الإمام رحمه الله خير جزاء فقد كان “عابداً موقناً، ومُعاملاً مُحسناً، وعاملاً مُتقناً. فجزاه الله بما جازى راعيا عن أسرته، ومرشداً عن جماعته، وداعيةً عن أمّتِه، مُتّبعاً مُتأسِّياً عن أُسوتِه”.
الحدث الثاني الذي تنعقد فيه “نصيحة الوفاء” حسب الأديب والشاعر هو طوفان الأقصى، الذي عدّه “مقالة طويلة عريضة ملحمية عنوانها قوله تعالى: وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ (الأنعام – 55)” فقد استبانت بحسبه “كذبا وزوراً، واستبانت ظلماً وجوراً وقهراً لشعبٍ أعزل، وحسرةً وتقتيلاً وتجويعاً وتنكيلاً بأطفالٍ ونساءٍ ورجالٍ في أرض الرباط والإسراء، وفي غزة العزة والإباء والفداء”. وأضاف أن مجاهدي فلسطين وغزة “أحيوا بشهدائهم مواتَ قلوبنا، وحرّروا بأسراهم معتقلي الشعوب في سجن الصمت المريب والوهن الكئيب”.
عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان، الذي أشرف على تسيير مجلس “نصيحة الوفاء” التي تأتي ختاما لبرنامج الجماعة الإحيائي للذكرى الحادية عشرة لرحيل الإمام المؤسس عبد السلام ياسين رحمه الله. وقد اختارت الجماعة لهذا المجلس التربوي موضوع “الأسرة الصالحة عماد الأمة القوية”، وبُثّت فعالياتها على قناة الشاهد ومواقع الإمام وصفحات الجماعة يوم الأحد 31 دجنبر 2023، عدّ انعقاد مجلس نصيحة الوفاء أنه “ميعادٌ في ميلادٍ” إذ ينعقد، يضيف، في رأسِ السنة الميلادية، الذي يُفعل فيه، باسم ميلاد المسيح عيسى عليه السلام كل ما هو منه براءٌ، منكَراتٌ وتُجترح فيه خطيئاتٌ.
ومجلس النصيحة حسب الأستاذ ركراكي من “المجالس التي تشرُف بما نُسبت إليه، وهو الدين” مُستشهدا بحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلّم الذي قال فيه “الدين النصيحة”. وقد أصّل للنصيحة مستعينا بعدة مراجع لغوية ودينية. فالنصيحة ينقل “هي إرادة الخير للمنصوح، والأرض النّصوح هي الأرض الجميلة اليانعة الخضراء. والعسل الناصح هو العسل الخالص لا غِشَّ فيه”، معززا كلامه بكلام نفيسٍ للإمام الشاذلي قال فيه: “من دعاك لله فقد نصحك، ومن دعاك لسواه فقد غشّك”. والناصح، يسترسل الأستاذ المسير في تأصيله، هو “الواضح الذي لا غموض فيه ولا التواء. والمِنصَحة هي الإبرة التي يخيط بها النَّصّاح (الخياط) يرتِّقُ بها ما انفَتَق، ويجمع بها ويُؤلف ما تشتَّت، ويلُمُّ مِن شعثٍ”.
وقد أكّد القيادي في العدل والإحسان أن الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله كان يُثني على مجلس النصيحة بكلام يوزن ذهبا، أورد منه بعض الشذرات منها أنه “مجلس ذِكر ومُذاكرةٍ وفتح ربّاني، ومجلس علم للعمل وتربية للتغيير، ومجلس قرآنٍ ونُشدانٍ للإحسان وبعض حضرات قضاء الحاجات العظمى عند الله، وهو مجلس تُوزّع فيه الأرزاق المعنوية، وهو مجلس يُعوِّض عن الصحبة بالمجالسة والمشافهة”.
كما اعتبر الأديب ركراكي اختيار موضوع “الأسرة الصالحة عماد الأمة القوية” لنصيحة الوفاء اختيارا جدَّ مُوفق، لأن أفضل ما يمكن أن ينعم به الله عزّ وجلّ على عبده، يقول “أن يكون الزوج لبَعلِه قرّة عينٍ، وأن يكون البعل لزوجها قرة عين، وأن يكون الأبناء قرة عين الزوجين. وأن تقر العين، يشرح الأستاذ الأديب، هي أن تسكُن وأن ترتاح، وأن تنام أمنةً نعاسا، هنِيّة طيبةً رضِيّة، وأن تُسرّ بما ترى من زوج صالحٍ وزوجة صالحةٍ”. وقد استدلّ بكلام للإمام ياسين رحمه الله يقول فيه: “هذه النفوس الطّريّة لا يتركها الإسلام لهوسِ السؤال: من أنا؟ ومن أين جِئت؟ إلى أين؟ وما معنى وجودي؟ بل تحتضنها الفطرة، وهي إقامة الوجه لله إذا كان المجتمع مؤمنا بالله، وتصونها من عوامل الشيطنة والفساد. تُلقّن النفوس الطرية وتُخبَر لتسمع، وتُؤمر لتنفِّذ. تُعرض عليها النماذج الصالحة لتتعلّق وتتخلّق قبل أن يتشكّل العقل المنطقي المتُعلِّق بحواسِّه السابح في ظلماته الكونية”.
وفي معرض تفاعله مع المواد المقدمة في نصيحة الوفاء أكّد أن الإمام ياسين رحمه أسّس للأسرة المستقرة بأسس؛ أولها حسن الاختيار الذي بناه الإمام رحمه الله على خمسٍ (1. الدين 2. العرق 3. البيئة 4. الأهلية 5. النظرة الشرعية)، والذي سيفضي إلى حسن التدبير بجدارة واقتدار بما هو الزواج ميثاق غليظ، ومودة ورحمة، وبما هو قِوامة وحافظية، ورفق بلا عنف، وقدوة حسنة، وتشريف للمرأة ومن التشريف تخفيف في التكليف، والمرأة، يضيف، خزانة أسرار وكنز فطرة ومفتاحها الكلمة الطيبة. كما تحدّث الإمام، بحسب مسير نصيحة الوفاء، عن حسن الاستثمار، وعن عماد العماد.
وفي ختام تسييره لهذا المجلس النوراني الذي شهد إلقاء كلمة جامعة من قبل فضيلة الأمين العام الأستاذ محمد عبادي، سبقته مداخلة للأستاذ محمد العسلي عضو الهيئة العامة للتربية والدعوة حول سيرة أسرة سيدنا علي وسيدتنا فاطمة الزهراء رضي الله عنهما، وقبله وقفت الأستاذة أسماء نحيل في مادة المدراسة القرآنية والإحسان حيث تفسّر قوله تعالى والَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا، ذكّر الأستاذ منير ركراكي بالأسرة الفلسطينية التي قدّمت أمثلة راقية في التربية القرآنية والإحسانية والجهادية، وفي الصمود والثبات أطفالا ونساء ورجالا. جاعلا مسك ختام نصيحة الوفاء أبيات شعرية للإمام عبد السلام ياسين رحمه الله جاء فيها:
وقد طابَ عَيشُ الطــيـبـينَ بمَـنْزِلٍ .. تُـرَابِطُ فِـيـهِ طَيِّبَاتُ الحَلاَئِلِ
وَتنمُو بِه الأزْهارُ وِلدانُ رَوْضَةٍ .. بِعَطْفَـةِ أمٍّ في رِعايَةِ كافِـلِ
سَـلاَمِيَ أُهْدِيهِ لِـجيـلٍ مُـنَشَّـإٍ .. عَلَى فِطْـرَةِ الإسلامِ في حِجْرِ عاقِـلِ
فصلِّ إلهي ثمَّ سَـلِّمْ على الذي .. بِمنهـاجِه قُـــدْنَـا عَزِيـزَ الجَحَافِـلِ