علّق فضيلة الأستاذ محمد عبادي على أجواء البكاء التي عطّرت ختم الرباط المركزي برواية عن أمِّنا عائشة رضي الله عنها تصف أباها لما بشَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يكون رفيقاً له في الهجرة: “ما رأيت أحدا يبكي من الفرح كما بكى أبو بكرٍ رضي الله تعالى عنه”. ليصف بكاء المرابطين والمرابطات بأنه “بكاء فرحٍ”. مثنيا على هذه الثلة من المعتكفين والمعتكفات بحمد لله سبحانه وتعالى عزَّ وجلّ الذي بنعمته تتم الصالحات، ومن تلك الصالحات “عشرة أيام وأنتم مقبلون على الله دعاءً وذكراً وتسبيحا وقراءةً وتلاوة للقرآن الكريم كلام الله سبحانه وتعالى”.
وأضاف السيد الأمين العام لجماعة العدل والإحسان، في كلمته التي كانت مسك ختام نفحات هذا الرباط المركزي الذي التأم فيه ثلة من مسؤولي وأعضاء الجماعة بين يدي شهر الله محرم الحرام لعام 1445 الهجري الموافق لشهر يوليوز 2023 الميلادي، “كان الأولى بين ثنايا هذه العشر أن تتعارفوا فيما بينكم لكن آثرتم جو الصمت الذي يعني التفكّر في ملكوت السماوات والأرض، وفي نِعم الله سبحانه وتعالى، فلا تكاد تسمع في رباطنا هذا همسا”.
وفي خضم أجواء الفراق بعد ليالي وأيام القيام والصيام والذكر والدعاء وبرنامج يوم المؤمن وليلته، سأل الأستاذ عبادي المرابطين تربية وتعليما قائلا: “وها هي الأيام العشر انقضت؛ فهل شبعتم مما أفاض الله سبحانه وتعالى عليكم؟” ليعلق مجيبا “لا شك أن الجواب سيكون هل من مزيد؟.” ليواصل كلمته التوجيهية النيرة محفزا على الاستمرارية: “المؤمن لا يشبع من خير حتى يكون منتهاه الجنة”. داعيا المؤمنين والمؤمنات، إسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي علّمه ربه سبحانه وتعالى طلب المزيد في قوله تعالى وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا، إلى طلب الزيادة مما كانوا فيه في الرباط؛ “زيادة إيمانٍ وتصديقٍ وعملٍ وقوةٍ… زيادة من كل خير”.
وأكد أن هذه الرباطات التي أنشأها الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله جاءت لتحقيق “غايات عظمى ومقاصد كثيرة جدا تستعصي على العدِّ”. أعطى منها بعضا من هذه المقاصد وتلك الغايات على سبيل المثال لا الحصر وهي:
1. “الترقي في عالم الإحسان بزيادة خطوات في مدارج السلوك إلى الله سبحانه وتعالى التي تنتهي بمعرفة الله عزّ وجل؛ فلا راحة للمؤمنة والمؤمن حتى يلقى الله عزّ وجل”. والرباط تدريب على ذلك يقول الأستاذ عبادي.
2. تجديد التوبة وتجديد الإرادة؛ إذ الغاية من الرباط في نظره هي تحقيق “ولادة جديدة للمؤمنة والمؤمن في عالم الإحسان”.
3. تعميق أواصر الصحبة والجماعة، والصحبة في الجماعة؛ “فسِرُّ نجاحنا وقوتنا -يبسط فضيلة الأمين العام للجماعة مراده- هي أواصر المحبة وحبالها المتينة بيننا، وهي أوعية التغذية التي يكتسي منها جسم الجماعة صلابته”. ومثّلَ لذلك بغصن نادر باسق مثمر لما يكون موصولا بالشجرة المغذية له. لكن إن انقطع عنها ما هي أيام حتى تذبل ثماره ويصبحا خشبا وحطبا ميتاً. داعيا أعضاء الجماعة إلى حفظ وتعهد عهد الصلة والصحبة خاصة لمن حالت ظروف دون استمرارهم في عمل الجماعة من ذوي السابقة والفضل من المؤمنات والمؤمنين.
4. تثبيت يوم المؤمن وليلته؛ مؤكدا أن “الرباط فرصة للتدرب على يوم المؤمن وليلته وتوطين النفس عليه، لننتقل من التطبع به إلى الطبع، وليصبح سجية وأمرا فطريا جِبلِّياًّ وكأننا ولدنا على تلك الشاكلة التي نكون عليها في يوم المؤمن وليلته. حتى نصل إلى مرتبة لا تتخلى عنا أعمال البر من ذكر وقيام وصيام وتلاوة وحتى وإن أردنا التكاسل عنها، لأننا جزء منا، ونحن لا شيء بدونها”.
5. التأهل لحمل دعوة الله عزّ وجلّ إلى الناس. “والرباط محطة أساسية للتزود بما ستدعو الناس به وإليه من رفق ورحمة وحكمة وعلم وصبر وسمت وكل ما تقتضيه دعوة الله عزّ وجلّ. وهي معاني لا يمكن تشربها إلا من قلوب إخواننا وأخواتنا عبر ملازمتهم كما حال الرباطات بأيامها ولياليها”، يختم الأستاذ عبادي بسطه لبعض غايات ومقاصد الرباط.