وصلت رحلة الداعية والمربي الأستاذ محمد عبادي، التي صحب فيها الصائمين في حلقات تربوية اختارت لها قناة بصائر أن تكون سُرجا منيرة للعقل والفؤاد خلال شهر رمضان الذي حلّق راحلا مُرتحلا تاركا لوعة الفراق إلى محطة التتويج؛ محطة عيد الفطر. فقد انطلق فضيلة الأمين العام لجماعة العدل والإحسان من قوله تعالى وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، ليعتبر العيد هو “يوم الجائزة، تُوزّع على من يستحقها، وعلى رأس هذه الجوائز العتق من النار”.
ويوم العيد أيضا بحسب الأستاذ عبادي “هو يوم الفرح؛ فرح بالله عزّ وجلّ أولا وبفضله ثانيا” موردا قول الله عزّ وجلّ: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ، وكذا الحديث النبوي الشريف الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام “للصَّائمِ فرحتانِ: فرحةٌ حينَ يفطرُ، وفرحةٌ حينَ يَلقى ربَّهُ”. وفطره، يُعلّق، يشمل “فطور يوم الصوم بعد آذان المغرب، وكذا فطره يوم عيد الفطر”.
وأكّد فضيلته في موعظته أن الناس عادة يفرحون بنعم الله سبحانه وتعالى يوم العيد، فيتوسّعون في المأكل والمشرب والملبس الأنيق، هذا مطلوب بحسبه لكنه يُحذِّر “أن يكون الفرح بالنعمة مُنقطعة عن المُنعِم”، لأنه في تلك الحالة ستتحول النّعمة في نظره إلى نقمة، لذا يجب علينا، يقول الأستاذ عبادي “أن يكون فرحنا خالصا لله تعالى لأنه صاحب النعم وصاحب الهدايا والعطايا سبحانه عزّ وجلّ”.
واستدعى أستاذنا حديثا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لمزيد من التأصل قال فيه: “كُلْ مَا شِئْتَ، وَالْبَسْ مَا شِئْتَ، مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ: سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ”، ليؤكد أن التمتع بالأكل واللباس يوم العيد نعمة ربانية ورخصة نبوية بشرطين هما تجنب الإسراف والتكبّر. فقال شارحا الحديث “فلا نلبس الجديد يوم العيد لنتفاخر به، بل فرحا بالله تعالى، ناسبين له النعمة والفضل” مصداقا لقوله تعالى وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ والله يُحب أن يرى أثر نعمته على عبده يعلق الأستاذ عبادي.
والنعمة العظمى في نظره كما جاء في حديث فرحتي الصائم؛ هي “فرحة العبد بتوفيق الله عزّ وجلّ له للصيّام وللقيّام وللإقبال عليه عزّ وجلّ؛ الفرح بما يُكرم الله به عبده من الأحاسيس التي يشعر بها في قلبه، من الأنس بالله والانشراح”. وهذه هي النّعمة العظمة، يقول الأستاذ المربي. لأن لذّة العبادة لا تساويها أيّ لذّة من ملذات الدنيا.
لكنه يستدرك ويستحضر ما يقع لأمتنا المغلوبة في غزة وغير غزة ليقول “فرحُنا يوم العيد لا ينبغي أن يُنسينا ما تُعانيه الأمة وما يعيشه المُعذّبون في الأرض جميعا، وهو فرحٌ مُنَغَّص لا يُستساغ”. ليتساءل كيف نجمع إذن بين الفرح المشروع بالعيد والحزن على واقع أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على مستوى غلبة أعدائها عليها وأوضاعها الاجتماعية المُتردّية فقط بل حتى على مستوى تديُّنها وبُعدها عن الله عزّ وجلّ؟
والجواب والجمع في نظره موجود في سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي “كان دائم البِشر متواصل الأحزان”؛ دائم البِشر، يشرح فضيلته، فرحا بالله ونِعمه، وفرحا بعباده تبسُّما في وجهوهم. وفي نفس الوقت كان متواصل الأحزان على ما كانت عليه أمته من ضلال، وبُعدهم عن التوحيد والتفريط في جنب الله تعالى. ليرفع الأستاذ عبادي أكف الضراعة لله عزّ وجلّ أن يرفع البلايا والويلات عن أمتنا، ويُفرحنا جميعا يوم لقائه عزّ وجلّ.