قال فضيلة الأستاذ محمد عبادي في بداية كلمته بين يدي أعضاء المجلس القطري للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان “مقدس” بأن القضايا المعروضة على أنظار المجلس كثيرة ومتنوعة، لذا لا بد أن نرتب القضايا التي تهمنا حسب الأهمية والأولوية، متسائلا “ما هي أهم قضية ينبغي أن تشغل بالنا ونكرس لها حياتنا، بحيث إذا حلت هذه القضية تكون بقية القضايا طوع أيدينا؟” ومجيبا “القضية الأساسية هي القضية المصيرية، هي علاقتي بالله، همٌّ يجب أن يكون دوما حاضرا”.
وأكد الأمين العام للجماعة أن علينا أن نتساءل بشكل دائم عن علاقتنا بالله “وهل حققت غايتي من الوجود؟ وهل الله راض عني ويحبني ويذكرني؟ وكيف ألقى الله؟ بأي عمل وبأي وجه؟”، مسترسلا بالقول “إذا حلت هذه القضية بقية القضايا الله سبحانه وتعالى يتولى أمرها”، لأنه إذا ارتقى المرء إلى مقام الإحسان وصار محبوبا عند ربه فمن طبيعة المحب ألا يدخر عن محبوبه شيئا، ويصير العبد آنذاك مؤيدا موفقا ملهما منصورا، “معه معية الله سبحانه وتعالى وأينما وضع يده يجد التيسير”، أما إن كانت العلاقة بالله غير وطيدة فيمكن أن “يتركه الله إلى تدبيره الخاص، فيكون حظ العبد الخيبة والحرمان”، والله ما عودنا إلا خيرا، في قراراتنا ووقفاتنا، فمعية الله عز وجل حاضرة نسأله المزيد.
المتحدث أكد على ضرورة أن يحافظ أعضاء الجماعة على الإخلاص والصدق مع بذل الجهد الذي يوافق شرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، متابعا بأن القضية المصيرية لها ارتباط بماذا يتركز عليه جهدنا، فالله سبحانه وضع عقبات وعراقيل في السلوك إليه، منها الخارجي ومنها الذاتي، فإن استطعنا اقتحام العقبة الداخلية للنفس، يكفينا الله شر العدو الخارجي، وإذا لم نستطع اقتحام العقبة الذاتية، قد لا نفلح في اقتحام العقبات الخارجية.
وأضاف الأستاذ عبادي بأن النفس التي بين جنبينا هي أكبر عدو. وبعد أن تساءل المتحدث عن كيف تتخلص النفس من العُجب والكِبر وحب الدنيا وحب الرئاسة وحب الشهوات والخوف من غير الله عز وجل، من أمراض لا حصر لها ولا عد؟ أجاب بأن لدينا ولله الحمد برنامجا للتربية قائما على “صحبة وذكر وصدق”، بهذا نقتحم العقبة، عقبة النفس، والعقبات الأخرى يهون أمرها.
المتحدث تطرق في حديثه إلى أن القضية المصيرية بالنسبة للأمة هي “قضية فلسطين” وهي كما سماها “جرح عميق”؛ عشرات السنوات ونحن نعيش على أعصابنا، وتغلي الدماء في عروقنا والآلام، ولكن في كل خير.
وردا على من يقول بأن المقاومة غامرت بالشعب الغزاوي والفلسطيني، ودخلوا في أمر لم يكونوا يستطيعونه، أجاب الأمين العام بأن هناك فرقا بين “جهاد الطلب وجهاد الدفع”، ففي جهاد الطلب “عليك أخذ الوسائل والاستعدادات”، أما في جهاد الدفع، فالعدو هاجم وفرض سيطرته، فالمفروض أن تقوم بأي جهد، وتسعى بكل الوسائل المتاحة من أجل التخلص من عدو جاثم على رقاب الناس، مضيفا بأن “التخلص من العدو الجاثم على رقاب الناس، جهاد دفع وليس جهاد طلب”. وأكد أن ما قامت به المقاومة إنما هو صنع الله عز وجل، فالله هو من خطط وصنع، وقد أذاقوا العدو الهوان والخزي، لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ من معانيها الإذلال، فقد أذلوهم وأخزوهم، وما يقوم به الصهاينة اليوم من قتل هو انتفاضة المذبوح، تكون بإذن الله نهايتهم، ومن الآن يتحقق موعود رسول الله: “الآن تغزونهم ولا يغزونكم”، ولعلها إن شاء الله بداية أخذ المسلمين للمبادرة، فنحن عندنا يقين أن نتيجة هذا الصراع هو أن العدو الصهيوني إلى زوال، بوعد الله ورسوله وبالمعطيات الواقعية، ومصير الطغيان والظلم دوما هو الزوال، لأن الظلم مؤذن بالخراب.
وقال إننا نسأل الله لإخوتنا الثبات والتوفيق والسداد، فهم “ينوبون عنا في الدفاع عن فلسطين، وربنا يختار منهم شهداء، ويبتلي أهل غزة جميعا، وكلهم في جهاد وفي رباط، من في الساحة يحمل البندقية، ومن في التمريض، ومن في العمل الاجتماعي، وحتى من يجلس في بيته فقط فهو في رباط”، وأضاف بأن هذا الوضع الذي يعيشونه، لو كشف لنا الغيب لتقاتلنا على من يكون هناك، قوم اصطفاهم الله تعالى، فرسول الله قال: “أشدكم بلاءً الأنبياء والأمثل فالأمثل”، معطيا القدوة من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه، فالله يهيئ من إخواننا في فلسطين رجالا يعطوننا القدوة، وقد بدأت حياة الإيمان تدب في أوصال أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بسببهم.
وتابع موضحا بأن بعض الناس يثبطون العزائم، ويطلقون الأراجيف، فحتى لو اكتسحت إسرائيل غزة وقضت على المقاومة فالنجاح لن يكون بيد الأعداء، يمكّنهم سبحانه ليزدادوا فسادا وإفسادا ومكرا وعتوا وجبروتاً، ليصلوا قمة الجبروت، فتكون علامة انهيارهم، هم الآن في مرحلة الاستعلاء، ووصول قمة الفساد علامة الانهيار.
واسترسل الأستاذ عبادي متسائلا عن موقف الأمة مما يحدث، فأهل فلسطين ثابتون، ونحن “هل نتفرج أم نشمر عن ساعد الجد ونلبي نداء الاستغاثة؟”، وأشار إلى أننا نرى أعداء الله تداعوا لنصرة الصهاينة بقضهم وقضيضهم، بالمال وبالسلاح والدعم والإعلام، لولائهم المتبادل “والذين كفروا بعضهم أولياء بعض”، وهو ما ينبغي أن يجنح إليه المسلمون “إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير”، علينا أن نعيد هذا الولاء بين المسلمين، وهي الطريق إلى فلسطين، فـ”حكامنا لا يرجى منهم خير”، فحتى لو كان في أحدهم غيرة، فخوفه على كرسيه يمنعه، وإن كانت قلوبهم مع فلسطين فسيوفهم مع الصهاينة وأمريكا.
الأمين العام أكد أن العقبة الكبيرة أمام التحرر هي حكامنا، لأن الحرب التي تخوضها فلسطين ليست حربا إقليمية بل حربا عالمية، العالم كله يشارك فيها، فالعالم الإسلامي أيضا يجب أن يتعاون كله ويتوحد لأجل تحرير فلسطين، ولا يمكن لهذا الولاء أن يتحقق ما دامت هذه العقبة في الطريق، ما دام هناك من يسوسونا بغير شرع الله وبغير دين الله، وأشار في هذه النقطة إلى مدونة الأحوال الشخصية، مؤكدا أنه مهما كانت الحلول التي نقدمها للمشاكل صائبة ودقيقة وناجعة ففي الوضع الراهن لا يمكن أن تنجح، فإذا لم يتغير الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي لا يمكن أن تنصلح أوضاع الأسرة، لأن هناك ارتباطا وثيقا، والعلاج يجب أن يكون شموليا ويبدأ من الأعلى؛ إصلاح الوضع السياسي.
وانتهى الأستاذ عبادي إلى أن الحمل ثقيل والمعركة طويلة الأمد، وعلينا الاستعداد لها تدريجيا والتهيؤ لها، نبدأ من التربية، وليس معنى هذا أن ننتظر، ولكن نساهم مع الناس في طرح الحلول، غير أنها تبقى مهدئات أما المطلوب فهو بناء المجتمع على قواعد سليمة، على المنهاج النبوي، ليعيش الناس الأمن والطمأنينة والسكينة ورغد العيش والحرية. واستحضر دعوات الحريات الجنسية والمثلية… مشددا أن فطرة الإنسان في العالم كله مستهدفة. وأشار إلى أننا قد نحضر الوقفات والمسيرات ويشعر الإنسان بعدها وكأنه أدى ما عليه ويخلد إلى الراحة، وهو أمر لا ينبغي أن يقع، فصلاح الدين الأيوبي لم يُر ضاحكا حتى تحرّر بيت المقدس، ونحن أيضا ما دامت الأمة تعيش هذا الضعف والهوان لا ينبغي أن نعيش حالة عادية، بل حالة انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حتى ترجع الأمور لنصابها ويزول الباطل.
وختاما انتهى فضيلته إلى أن اجتماعنا غايته الأساسية أن نجمع قلوبنا على الله عز وجل، وليس المطلوب أن نقوم بالجهد أكثر من طاقتنا، بل نستفرغ الجهد، والله ما عوَّدنا إلا خيرا، فعلى يقيننا أن يزداد، ومعه تزداد المحبة والصفاء والأخوة، منوها إلى أنه قد لا يكون لدينا سلاح نساعد به إخوتنا الفلسطينيين ولكن لدينا سلاح لا يقاوم، وهو سهام الليل، يجب أن يكون عند كل أخ وأخت نصيب من الدعاء في القيام حيث يكون ربنا أقرب إلينا، فنحن في النهار نطلبه ولكن في الليل هو سبحانه وتعالى من يطلبنا، وما يطلبنا إلا لأنه يريد أن يعطينا، فلا ينبغي لأحد منا في هذه اللحظة وهذه الأيام أن يبقى راقدا في فراشه، بل واقفا بين يديه شاكيا باكيا مستمطرا لرحماته عز وجل وهو الرحيم.