اعتبر الأستاذ محمد عبادي أن ما مورس على البشرية من مسخ قتل فيها إنسانيتها وكرامتها الآدمية، مشددا على أن أعداد الشهداء والجرحى التي نراها بالمئات كل يوم في غزة وما يُعرض على مسامع العالم وأعينه وشاشات الدنيا ولا أحد يحرك ساكنا، يثير تساؤلات حقيقية عن العلاقة الآدمية التي تربط البشر ببعضهم من سيدنا آدم “حتى لو لم يكونوا مسلمين”. وذلك في كلمة جامعة يوم الأحد 31 دجنبر 2023 أمام الحاضرين في “نصيحة الوفاء” بمناسبة الذكرى الحادية عشرة لرحيل الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله.
وظيفة الدعوة أن تعيد للإنسان إنسانيته المفقودة
فإذا سلبت من الإنسان غيرته وعفته وشجاعته وإيثاره وعفوه وصفحه وعلاقته بالله عز وجل فماذا سيبقى من هذا الإنسان؟ يتساءل عبادي قبل أن يجيب “سيبقى جثة هامدة بلا روح”. وأما من سيعيد للإنسان إنسانيته، فهذه تبقى وظيفة الدعوة، وهذا الموضوع يجب أن يستفزنا.
ومن مهام الدعوة يؤكد عبادي، المساهمة في إخراج الناس من الظلمات إلى النور، وإنقاذ البشرية ونشر نور الله سبحانه وتعالى عز وجل حتى تتعاضد قوة البشر لأجل إنشاء مجتمع تسوده الأخوة الإنسانية، إحقاقا لقول الله تعالى “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ”.
فالمنطلق وَفْق حديث فضيلة الأمين العام “هو إعادة بناء الإنسان وصياغته، وإعادة بناء الأسرة لتكون متماسكة بالحب في الله وبالتعاون على إحياء دين الله سبحانه وتعالى عز وجل”، إذ إن المجتمع عبارة عن أسر إذا صلحت هذه الأسر صلح المجتمع كله.
الهلاك يتجاوز من مارس الإجرام إلى من سكت وأقر وإن كان من الصالحين وإنما استثنى الله المصلِحين
وبينما تحدث الأستاذ عبادي عن أحداث غزة وقوافل الشهداء بأسف بالغ، استعرض بالموازاة مع ذلك مصير من تجبر وتكبر واستعلى وطغى على وجه الأرض من الأمم التي عاشت وأبيدت لكثرة المناكر التي مارستها وذكر قول الله سبحانه وتعالى فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.
وذكر عبادي أن الهلاك لا يشمل فقط من مارس الإجرام والظلم والطغيان والفساد وإنما يشمل من سكت وأقر وإن لم يشارك “أنهلك ومنا الصالحون، قال نعم إذا كثر الخبث”، فحتى الصالحون مهددون، وإنما استثنى الله المصلِحين الذين لم يقروا ولم يسكتوا وعملوا بكل جهدهم للإصلاح، مصداقا لقوله تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ.
وفي حديثه عن العلاقة التي ينبغي أن تسود بين الزوجين، اعتبر أن الوسيلة التي نكتسب بها كل خصال التكارم والتعاون والتآلف والتحاب والإيثار والاخوة هي “الصحبة والتربية” إعدادا للأجيال التي ستعمر الأرض، في وقت يُجر فيه الخلق وتجر الأرض إلى الهلاك والخراب.
ما جدوى وظيفة تربية الأبناء إذا لم يترب الوالدان أولا ولم يتطهرا من عيوب النفس
وتطرق الأستاذ عبادي في كلمته إلى أهمية التربية بالقدوة وبالدعاء وبالهمة، ولفت إلى أهمية التربية بتربية أولاد المسلمين، مشددا على أنه “يستحيل في حقه سبحانه وتعالى أن تهتم بخلقه وتدلهم عليه سبحانه عز وجل ولا يهتم بأولادك، لأن يده هي العليا سبحانه”، وتابع: “اهتم بإصلاح الآخر يهتم بإصلاحك وإصلاح من معك”.
وتساءل عن جدوى وظيفة تربية الأبناء إذا لم يترب الوالدان أولا، ولم يعرفا الله عز وجل، ولم يتطهرا من عيوب النفس ولم يستكملا الفضائل، معتبرا أن الاجتهاد في إصلاح الذات هو إصلاح للأولاد لأن الأولاد ثمرة شجرة مباركة، وأضاف: “فإذا كنا كذلك فأولادنا يظهر عليهم هذا الصلاح، وجاء في قوله تعالى وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فيا ترى لو أن أمهما أيضا كانت صالحة؟ سيكون الحفظ أكبر، فالله يتحدث هنا عن حفظ المال وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا“.
والمستفاد من الآية، كما ذكر الأستاذ عبادي، هو أن ما هو أفضل من المال محفوظون فيه أكثر من مالهما وهو إيمانهما وعلاقتهما بالله عز وجل لأنه هو الأهم، لذلك حفظهما فيه قبل حفظهما في المال.