على رأسها الصحبة والمحبة.. ذ.عبادي يذكّر بنعم جليلة ويدعو إلى القيام بواجب الدلالة على الله تعالى

Cover Image for على رأسها الصحبة والمحبة.. ذ.عبادي يذكّر بنعم جليلة ويدعو إلى القيام بواجب الدلالة على الله تعالى
نشر بتاريخ

ذكّر فضيلة الأستاذ محمد عبادي، الأمين العام لجماعة العدل والإحسان، في كلمة افتتح بها أشغال الدورة 23 لمجلس شورى الجماعة يوم الأحد 9 فبراير 2025، “بنعم الله سبحانه وتعالى علينا، وأعظمها نعمة الإسلام، تليها نعمة الصحبة التي عن طريقها يحقق الله سبحانه وتعالى لكل واحد منا غايته من هذا الوجود، من هذه الحياة، هذه الغاية التي يحددها الله عز وجل في قوله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، أي إلا ليعرفون كما فسرها سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه وأرضاه”.

والعبادة هي طريق العبودية، يضيف الأستاذ عبادي ويوضح: والعبودية اضطرار وافتقار وتوجه إلى الله عز وجل وتمسكن وتذلل بين يديه، وتجرد من الحول والقوة حتى لا نشارك الله سبحانه وتعالى في صفاته، فصفات العبودية تتعارض مع صفات الربوبية؛ صفات الربوبية هي صفات كمال، ولا حد لكمالاته، وصفات العبودية هي صفات النقص، ولا حد لنقائص الإنسان، فلكي يحقق الإنسان العبودية لله عز وجل لا بد أن يشعر بأنه كائن فقير حقير ذليل لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، يشعر بالعجز التام والافتقار وبالاضطرار في كل وقت وحين، ليس أثناء العبادة فقط، فالعبادة يجب أن تتحول إلى العبودية لله عز وجل، يؤكد المتحدث.

ولا سبيل لتحقيق هذه العبودية إلا بالصحبة، فالصحبة جعلها الله تعالى مفتاحا لكل أبواب الخير ومغلاقا لكل أبواب الشر، فهي التي توصلنا إلى المعرفة. الصحبة والجماعة والذكر والصدق هي شروط التربية التي نتربى عليها، يسترسل الأستاذ عبادي مبينا هذه المعاني الجليلة؛ فصفات الربوبية تختلف عن صفات العبودية، ومعرفة الله سبحانه وتعالى تقتضي معرفة النفس، فإذا عرف الإنسان نفسه عرف ربه، لأن الأشياء تتميز بأضدادها؛ كي نعرف قيمة النهار لا بد أن نعرف الليل، الصحة تعرف بالمرض..

معرفة النفس إذن، وفق الأستاذ عبادي؛ شرط أساسي في معرفة الله تعالى. والذي يحول بيننا وبين الله سبحانه هو هذه النفس، العائق الأكبر في السلوك إلى الله عز وجل، ولذلك يقول أهل الله عز وجل: خطوتان تخطوهما فإذا أنت بين يدي الله؛ الخطوة الأولى عن النفس والثانية عن الكون وعن العالم، وما أصعبهما من خطوتين!

ثم يتساءل: هذه النفس الأمارة بالسوء ما السبيل إلى تربيتها وتهذيبها؟ ليدلنا على أن الله سبحانه وتعالى ركب في أنفسنا هذه النفس ولكنه جعل لها الأدوية التي تعالج أمراضها؛ وأول شيء نعالج به أنفسنا، التي هي عدو لا طاقة لنا به، هو أن نشكوها إلى ربها، ولهذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من أدعيته وافتتاحه لكثير من خطبه أن نقول: “اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا”، “اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه”.. نشكوها إلى ربها ونربيها بالمخالفة، بالمجاهدة؛ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ، وهو الجهاد الأكبر الذي يعين على الجهاد الأصغر، جهاد المواجهة في هذه الحياة.

ونوه الأمين العام لجماعة العدل والإحسان أن الله تعالى جعل فينا أطباء لصحة الأبدان وصحة القلوب وصحة النفوس، معتبرا هذا من بركة الصحبة؛ أن تجعل الإنسان يلتفت إلى نفسه فيقمعها ويربيها ويطهرها من الأدناس والأرجاس، فأطباء القلوب هم دواء النفوس، كما يقول الشاعر:

أولياء الإله إنّي مريض 

والدّواء لديكم والشّفاء 

جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن سأله صحبته ورفقته في الآخرة أنه قال: “أعنّي على نفسك بكثرة السجود”. نستفيد من هذا الحديث، يقول الأستاذ عبادي؛ أن الدور الأساسي في تربية النفس هو الصحبة، ويبقى على الإنسان أن يعين هذه الصحبة، أما الأصل أن المصحوب هو الذي يربي هذه النفس، فما علينا إلى أن نعين هذه الصحبة على تربية أنفسنا لتتخلص مما علق بها من أوساخ عن طريق المجتمع والتربية الفاسدة.

وأقر الأستاذ عبادي أن من نعم الله علينا أن هيأ لنا صحبة تسلك بنا الطريق إلى الله تعالى، مذكرا أن الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى عاش لهذه الغاية: “غايتي في هذا الكتاب أن أدل على الله”، ففي كل مجالسه وفي كل كتبه تجده يريد أن يعمق فينا هذا الأمر، لنتهيأ له ونستعد له ونقبل عليه حتى لا يندم الإنسان غدا يوم القيامة أنه عاش سنوات طوال ورجع إلى ربه دون أن يحقق الكمال البشري، دون أن يحقق غاية العبادة، فينطبق عليه قول الشاعر:

عـلى نـفسه فليَبْكِ مَن ضاع عُمْرُهُ 

ولـيسَ لـهُ فـيها نَصيبٌ ولا سهمُ

ليس له حظ من معرفة الله ومن محبة الله، فليندب حظه وليبك على نفسه لأنه لم يعرف الله تعالى.

وحمد الله على نعمة الصحبة التي فتحت لنا الطريق لمعرفة الله تعالى، فما علينا إلا أن نجتهد فيما طلب منا القيام به لتحقيق هذه الغاية، وبشر بأنها ستتحقق إن شاء الله، ونحن في الطريق لذلك.

ومن نعم هذه الصحبة علينا -يمضي الأستاذ عبادي في وعظه- نعمة الأخوة في الله، وهي نعمة عظيمة، وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا، ويستحضر ما يعيشه المسلمون اليوم من أحوال التمزق والتشتت، وكأن كل مسلم جزيرة منقطعة عن الجزر الأخرى، ليس هناك روابط بين المسلمين تربط القلوب ببعضها البعض وتربط العقول وتربط الأهداف والغايات. ليرجع هذا التشتت والتمزق في جسم الأمة لأنه “ليس هناك أبوة تجمع كلمة المسلمين كما كان الخلفاء الراشدون يجمعون كلمة الأمة. فالصحابة والتابعون كانوا يبايعون الخلفاء الراشدين على تطبيق كلام الله عز وجل، وكانت العلاقة هي الرابطة القلبية التي تربط بين الخلفاء الراشدين وبين الأمة، ولكن بعد الانكسار التاريخي أصبحت صفقة اليد للحكام وحبيبة القلب لأولياء الله تعالى؛ كل ولي يلتف حوله مجموعة من الناس يسلك بهم الطريق إلى الله تعالى”.

وشدد فضيلة الأمين العام في موعظته البليغة على أن هذه النعمة؛ نعمة الأخوة في الله تعالى، لا يصح الإيمان إلا بها؛ “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخبيه ما يحب لنفسه”، “والَّذي نفسي بيدِه لا تدخلوا الجنَّةَ حتَّى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا أولا أدلُّكم علَى شيءٍ إذا فعلتُموهُ تحاببتُم أفشوا السَّلامَ بينَكم”. ودعا إلى العمل على تعميقها “لنزداد ارتباطا ببعضنا البعض، عن طريق ما أوصانا به رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تهادوا تحابوا”، وأعظم الهدايا دعاء الرابطة، والتزاور، وسلامة القلب، والنظر إلى إخواننا بعين الإجلال والاحترام والإكبار والتقدير، وأن نتواضع لهم ونواسيهم بكل ما نملك”.. والأخوة في الله -يضيف- تقتضي أن يذوب الإخوة في بعضهم البعض، أن يكون هناك انسجام كامل، أن يكون هناك إيثار كما عاشه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يكون هناك عطف على المومنين والمومنات وتذلل وصبر على أذاهم ورفق بهم.. وهو ما ينبغي أن يسود في جماعتنا.

وأبرز الأستاذ عبادي أن الجماعة ارتبطت برباط الأخوة في الله، وهذا الرباط هو الحب في الله عز وجل، فنحن جماعة نتوب إلى الله وندعو الناس أن يتوبوا معنا إلى الله، وهو ما يجب أن نستحضره في كل وقت وحين؛ هل نمارس التوبة ونجددها؟ أن تكون دعوتنا في الناس دعوة للإسلام ودعوة إلى الله تعالى، نجمع بين الأمرين، نشارك في الأولى غيرنا من الدعاة إلى فضاء الإسلام وأخلاقه، ولكن تتميز دعوتنا بأنها دعوة إلى الله، دعوة إلى الدلالة على الله.

وفي هذا المعنى أكد أن وظيفتنا هي الدعوة إلى الله، واسم جماعة العدل والإحسان يجب أن نسائل أنفسنا إن كان ينطبق علينا أم لا، فإن كان ينطبق الاسم على المسمى فنِعمّ هي، ولكن واحسرتاه واأسفاه إذا لم ينطبق الاسم على المسمى!

وبيّن المتحدث أن الدعوة إلى الله سبحانه لها مميزات وأوصاف، على رأسها الرحمة بالخلق، محيلا على كلام الإمام عبد السلام ياسين: “ينبغي أن نكون رحمة في العالمين”، والعالمين، يفسر الأستاذ عبادي: يدخل فيه الإنس والجن والحيوان وكل المخلوقات؛ علاقتنا بالكون وبالناس وبالأشياء يجب أن تكون علاقة رحمة ومودة، حتى مع الطبيعة “هذا جبل يحبنا ونحبه”، نسبحه تعالى كما يسبحه الحجر والشجر وكل شيء، وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ، فيكون هناك انسجام كوني في التوجه إلى الله وعبادته بين الإنسان وما خلق الله تعالى في هذه الطبيعة، باستثناء بعض الإنس والجن الذين خرجوا عن الإجماع الكوني الذي هو متوجه إلى الحق سبحانه.

الدعوة إلى الله -يتابع العالم الجليل- رحمة ورفق وتدرج وصبر وتحمل وتصدق بالعرض على من آذانا ومن اعتدى علينا. يجب أن نكون ملاذا للأمة، ندافع عنها، أن نكون آخر من يشبع وآخر من يلبس وآخر من ينام، إمامة الأمة تعني خدمة الأمة، ولا يمكن أن نكون ملاذا إلا إذا كنا قوة عددية وتنظيمية واقتصادية وإلا تمسّك غريق بغريق، وإلا فكيف ندافع عنهم ونذود عنهم ونطعمهم ونكسوهم.. فلكي نتبوأ هذه المكانة لا بد أن نكتسب القوة وتكون لنا قاعدة واسعة، وأن نمتلك الإمكانيات المؤهلة وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ.

وأحال أمين جماعة العدل والإحسان على أحوال إخواننا في فلسطين الذين ما فتئوا يستغيثون: أين المسلمون؟ أين العالم؟ نسمعه من الكبار والصغار والأرامل والنساء، فمن يدافع عنهم؟ من يمد لهم يد العون؟ من يغيثهم؟ من ينجدهم؟ فالأمة عددها يقارب مليارين من البشر ولكن حالها يصدق عليه قول الشاعر:

من يهن يسهل الهوان عليه

ما لجرح بميت إيلام

كأن الأمة ميتة تحتاج إلى من يزرع فيها روح الحياة، إلى من يستنهض همتها، ويزرع في قلبها محبة الله وحب الآخرة وحب لقاء الله عز وجل لتنهض من جديد، ليذكر بأن دورنا؛ إيقاظ الأمة لأجل أن نواجه هذا الطغيان، هذا الاستكبار العالمي الذي ينتشي وينتفخ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ۖ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ، هذا وعد الله يتكرر ولكن بهذا الشرط “من خاف مقامي وخاف وعيد”، هذه هي الفئة المبشرة بالاستخلاف؛ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ؛ أرض الجنة وأرض الدنيا، فعلينا أن نتهيأ لهذا الاستخلاف.

وأرشد الأستاذ عبادي إلى أن نظرتنا إلى الأحداث وتفاعلنا معها يجب أن تكون كما كان يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى: الحزن في النفس والرضا والفرح في القلب، فما نراه من مآس وابتلاءات يشيب لها الولدان يحز في نفوسنا، ولكن الأمل يجب أن يطغى على الألم، ما يفعله الله عز وجل في كونه هو عين الحق وعين الخير وعين الصلاح، لا يفعل ربنا سبحانه وتعالى إلا خيرا، ماض فينا حكمه عدل فينا قضاؤه، قضاء البشر ظلم وقضاء الحق عدل وإن بدا في صورة الظلم، يريد الله سبحانه أن يكرم إخواننا بالشهادة وأن يبتليهم ليرفع درجاتهم عند الله سبحانه وتعالى، إذا أحب الله عبدا ابتلاه، هذا وسام، والحمد لله نسمع أهل غزة وفلسطين يسترجعون إلى الله عز وجل ويفوضون أمرهم إليه ويكثرون من الحسبلة، هذا يجعلنا مطمئنين عليهم، فالمشكلة ليس مشكلتهم ولكن مشكلة الأمة؛ مليارين من البشر تتفرج والناس يموتون جوعا وبردا.. ونحن ننغمس في أكلنا وشربنا وتفاهتنا وضحكنا، لا ينبغي. لابد أن نعيش معهم، أن نشعر بنوع من الألم كما يشعرون به، المواساة العملية الفعلية، أن نكون ذاتا واحدة وعلى قلب رجل واحد. ليخلص إلى أنه يجب أن نرضى بقدر الله تعالى، ولكن العلاقة البشرية تقتضي منا المشاركة في الآلام والآمال.

وختم الأمين العام لجماعة العدل والإحسان بالتذكير بثمرة هذا اللقاء، إذ “ينبغي أن نحرص على أن يقال لنا في آخر المجلس: “قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات”، مهيبا أن يكون “مجلسنا مجلس ذكر وإقبال على الله سبحانه وتعالى، نتداول ونتحاور وندلي بآرائنا، ينبغي أن يكون كل ذلك ذكر، ما نقول وما نتكلم به الغاية منه رضا الله سبحانه وتعالى. وأن ينفتح بعضنا على بعض، أن ينظر بعضنا إلى بعض بعين الإكبار والإجلال والمحبة، فالنظر في وجوه المؤمنين عبادة، حتى إذا ختمنا المجلس قيل لنا: “قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات”.