أجرت قناة “فلسطين اليوم” حوارا تلفزيا مع فضيلة الأمين العام لجماعة العدل والإحسان، الأستاذ محمد عبادي حول “مركزية القدس في الصراع الإسلامي الصهيوني”، ونقل بالمباشر في القناة مساء أمس الخميس.
الحوار الذي أجراه وقدمه الإعلامي “صالح الكاشف”؛ كان ضمن حلقات البرنامج الأسبوعي “في ظلال الإسلام” الذي تبثه القناة ذاتها ويستضيف من خلاله علماء عاملين للإسلام، ورمز بارزين في خدمة القضايا المستأثرة بالاهتمام في الأمة الإسلامية.
إليكم نص الحوار مكتوبا:
ما مركزية القدس في الصراع في الصراع الإسلامي الصهيوني، وما أثر الانطلاق من القدس والأقصى كعنوان للمعركة الأخيرة، وما دور الأمة العملي في نصرة القضية الفلسطينية والقدس.
“مركزية القدس في الصراع الإسلامي الصهيوني” هو موضوع حلقة هذا الأسبوع من برنامج “في ظلال الإسلام”، نناقشه من فضيلة الشيخ محمد عبادي، أهلا ومرحبا بكم فضيلة الشيخ:
بارك الله فيكم، جزاكم الله أحسن الجزاء، وشكرا لكم على هذه الاستضافة، وشكرا لقناتكم المجاهدة التي تبث الوعي وتبث روح الجهاد في أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، زادكم الله توفيقا وتأييدا ونصرا.
كما تعرفون أن القضية الفلسطينية والقدس هي القضية المركزية للأمة، ما مركزية القدس اليوم في الصراع الإسلامي الصهيوني فضيلة الشيخ؟
اسمحوا لي قبل أن أجيبكم عن هذا السؤال أن أترحم على الشهداء الذين سقطوا ابتغاء مرضاة الله تعالى عز وجل ودفاعا عن مقدساتنا، وأبلغ تعازي لأقاربهم ولأهاليهم، وأسأل الله تعالى الشفاء للجرحى وأسأله أن يثبتكم ويقويكم وينصركم، وأهنئ ساداتنا المجاهدين في سبيل الله وهم من خيرة الأمة، هكذا نحسبهم ولا نزكي على الله أحدا. الذين ضحوا بالغالي والنفيس وبذلوا أموالهم في سبيل الله وسهروا الأيام والشهور والسنوات وهم في إعداد متواصل للمواجهة مع العدو المركزي لأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الصهاينة، فحقق الله تعالى هذا النصر المبين. أسأل الله أن يتوج فيما يأتي من الزمان بالفرحة العظمى عندما ترفرف راية الإسلام فوق القدس وفي العالم الإسلامي كله، بل في الوقت الذي نرى فيه البشرية قد تحررت من الطغاة والمستكبرين والجبابرة، وأن العدل قد انتشر وأصبحت الإنسانية تعيش الوئام والألفة والأخوة والتعاون فيما بينها وما ذلك على الله بعزيز، وهذا وعد من الله تعالى آت ولا نشك في ذلك، نسأل الله تعالى أن يحيينا حتى نعيش هذه الفرحة العظمى.
نعود فضيلة الشيخ لمركزية القدس في الصراع الإسلامي الصهيوني؟
نعم، هل تخلى الفلسطينيون –وحاشاهم عن ذلك- عن القضية الفلسطينية ولم يدافعوا عنها؟ فشرعا يجب على كل مسلم أن يسعى لتحرير القدس الشريف ولتحرير الأرض المقدسة. إذا كانت بلاد المسلمين التي يقع عليها الغزو يجب على أهلها أن تحارب الغزاة والمعتدين، فمحاربة العدو الذي هاجم وسيطر وعثا في الأرض فسادا في الأرض المقدسة فالجهاد في طرده ودفعه من أولى الواجبات التي فرضها الله سبحانه وتعالى عز وجل، نحن أمة مجاهدة “جعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل على من خالف أمري”، “ما ترك قوم الجهاد إلا أذلهم الله”، هذا الذل الذي تعيشه الأمة نتيجة عن الخور وعن الخوف من العدو، نسأل الله عز وجل أن يرفع عن الأمة هذا الهوان وأن يعيد إليها عزتها وقوتها، وأنتم يا معشر أهل المقدس وأهل فلسطين؛ أنتم تمثلون العزة والكرامة والشرف للأمة جمعاء، وفلسطين هي محور الأمة كلها، وهي التي تهفو إليها القلوب وتجتمع عليها الأمة، وهي أرض المحشر والمنشر، وهي القبلة الأولى بالنسبة للمسلمين، فكيف يليق بالمسلمين الذين جعل الله تعالى القدس الشريف مسرى لنبيهم، كيف يليق بهم أن يتخلوا عنها، نعوذ بالله من ذلك، ونسأل الله تعالى أن يوفقكم وينصركم ونحن وراءكم ونحن معكم بقلوبنا وبكافة إمكانياتنا، لأن القدس في قلب كل مؤمن.
عشنا أيام النكبة وأيام النكسة والأيام الأخرى عشناها معكم دقيقة بدقيقة ويوما بيوم ونحن على أعصابنا والدماء تغلي في قلوبنا، ووددنا لو فتحت الحدود لكنا معكم قلبا وقالبا، نسأل الله تعالى أن يحرر بيت المقدس على أيديكم ونكون إن شاء الله تعالى لكم عونا ونصيرا وظهيرا.
جميل، ما يميز فضيلة الشيخ؛ معركة “سيف الأقصى” أن العنوان والانطلاق كان من القدس والمسجد الأقصى، ما أهمية هذا الانطلاق منهما؟ وما أثره على الأمة جمعاء في هذه المعركة؟
هذه المعركة التي خضتموها بتأييد من الله وبتوفيق منه عز وجل هي من المعارك المصيرية التي تهم الأمة كلها، بل أحيت مشاعر الغضب في أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم على شرذمة الصهاينة المتصهينة، وجعلت الأمة كلها تلتف حول هاته القضية رغم التباين ورغم الاختلاف في المشارب والتوجهات وفي الأفكار، ولكن القدس جمعت كلمة الأمة كلها، بل أحرار العالم تعاطفوا معها. فهي في قلب كل مسلم يود لو يسر الله تعالى عز وجل له السبل لكان معكم في ساحة الوغى دفاعا عن حمى القدس، فهي مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي القبلة الأولى بالنسبة للمسلمين، فأهميتها في ديننا هي أهمية بالغة عظمى.
وإذا كان الدفاع واجبا في تحرير أرض المسلمين الأخرى فتحرير بيت المقدس من أوجب الواجبات، وهي أرض مقدسة يجب أن تبقى دائما مقدسة مطهرة، فأي رجس وأي ظلمة وأي نجس تلطخت بها كما فعل الصليبيون من قبل وكما يفعل اليهود الآن، فيجب على المسلمين أن يطهروها لتسترجع قدسيتها، وقدسيتها هي طهارتها من الشرك ومن الكفر ومن الفساد ومن الظلم ومن الطغيان الذي يمارس على ظهرها، فهي قضية مصيرية وقضية مركزية، وقضية الصراع بين الحق والباطل، بين الظلم وبين الحق، ولا بد من أن ينتصر الحق على الباطل وإن طال أمده، هذا ابتلاء الله للأمة كلها.
ما تعانونه أيها الأحباب من اضطهاد ومن ابتلاء فأنتم تنجحون فيه لأنكم أديتم وظيفتكم ورسالتكم، نخشى أن نكون نحن ممن أفلس وممن خاب وخسر في هذا الابتلاء، فالله سبحانه عز وجل قادر على أن ينصركم ويحرر القدس بدون تدخل قوة المسلمين، ولكنه سبحانه أراد أن يمتحن المسلمين، فنحن في امتحان عسير ليرى ماذا سنفعل وماذا سنقدم لبيت المقدس، قال عز وجل: وَلَوْ يَشَآءُ اُ۬للَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُم بِبَعْضٖۖ، ابتلاؤنا ابتلاء كبير ليرى الله سبحانه موقفنا من هذه القضية.
في العصر العباسي لما هاجمت شرذمة الطائفة الضالة على بيت الله الحرام واقتلعوا الحجر الأسعد، لم يسلط الله تعالى عليهم الطير الأبابيل، في حين أنه في يوم ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أبرهة أن تمتد يده الآثمة لهدم بيت الله الحرام، سلط الله عليهم الطير الأبابيل، لماذا؟ لأنه في ذلك الوقت لم يكن هناك مسلمون مطالبون بحماية بيت الله الحرام. أما في الدولة العباسية التي كانت تمتد من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ؛ لم يسلط الله عز وجل على من اقتلع الحجر الأسعد وعاث في الأرض فسادا، لم تتدخل قدرة الله تعالى لمحقهم امتحانا للأمة، ماذا ستفعل، وما سيكون موقفها من الاعتداء على بيت الله عز وجل، والتاريخ يعيد نفسه، والأمة اليوم في امتحان عسير، ماذا ستفعل الأمة والأطفال يقتلون ويهجرون رجالات ونساء ويعتدى عليهم ويذلون ويطردون من مساكنهم ويقتلون صباح مساء؟ هل سنقف وقفة المتفرج؟ امتحان عسير، إن لم نقم على قلب رجل واحد ونجمع شملنا وشتاتنا وقوتنا وجهدنا لنقول للصهاينة: قفوا كفى، لا سبيل لكم إلى تدنيس الأرض المقدسة.
الأمة بدأت تستشعر هذه المسؤولية والحمد لله عز وجل، وبدأ روح الجهاد يسري في شرايينها. نسأل الله عز وجل أن تسري هذه الهبة التي بدأت من بيت المقدس في أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وألا تنطفئ، وأن تبقى شعلتها مضيئة تنير الدرب لكل من أراد أن يجاهد في سبيل الله، ويسعى لنيل مرضاة الله سبحانه وتعالى عز وجل، وما ذلك عليه بعزيز.
هذه المعركة والانطلاق من بيت المقدس أثبتت أهمية البعد الديني في الصراع مع الصهاينة، دلالة القداسة والمقدسات، أهمية المسجد الأقصى في أنفس المسلمين، ما تعليقكم فضيلة الشيخ؟
نعم؛ الإسرائيليون يتحركون بعقيدة، يقرؤون في كتبهم المحرفة أنه سيظهر فيهم ملك يتولى قيادة العالم بمساعدة حكماء صهيون يتربى في هيكل سليمان، فهم ينطلقون في محاربة أهلنا في القدس من العقيدة، والحديد لا يفله إلا الحديد، فلا ينبغي لنا نحن أن نتحرك في تحرير القدس من منطلقات أرضية، نعم الدفاع عن الأرض أمر مطلوب، فهو شهادة في سبيل الله “من قتل دون ماله فهو شهيد، من قتل دون عرضه فهو شهيد”، ولكن الغاية العظمى هي أن يكون جهادنا لله؛ وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله.
بحكم مكانة القدس في قلوب المسلمين وفي دين الله عز وجل العظيمة يجب أن تتحرك الأمة امتثالا لأمر الله، ودفاعا عن دين الله، لرفع راية الله عز وجل في الآفاق، ولتحرير الأرض وتحرير البلاد من طواغيت الأرض، إذن فمنطلقاتنا يجب أن تكون إيمانية دينية نبتغي بها وجه الله تعالى عز وجل. فأمتنا أمة جهاد، تعشق الشهادة في سبيل الله، والله تعالى كلفنا أن نحرر البشرية كلها، وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا (75) الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا، فالنصرة واجبة في حق المسلمين وغيرهم، لا بد أن نقف إلي جانب المستضعف حتى يسترد حقوقه كاملة، ولهذا شرع الجهاد. ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، بل جميع حركات المسلم ينبغي أن تكون خاضعة لأمر الله ويقصد بها وجه الله تعالى عز وجل، فمنطلقنا منطلق عقدي؛ إن غابت صلتنا بالله عز وجل وانطلقنا في المدافعة بمقتضيات أرضية، قد يكلنا الله سبحانه تعالى عز جل إلى أنفسنا فيكون حظنا الخذلان والخيبة والحسرة والعياذ بالله.
الله سبحانه وتعالى بارك بيت المقدس وبارك ما حوله، بركة كانت موجودة في هذه المعركة؛ بركة في الشهداء وفي التضحيات وفي النتائج والأهداف.. والقدس وحدت الأمة، حدثنا عن وحدة حال الأمة في هذه المعركة؟
هذا من بركات الجهاد في سبيل الله، ومن بركات القدس وما حولها، بارك الله سبحانه وتعالى في أرضها وفي أشجارها وأحجارها وفي تربتها وفي أهلها الذين وعدهم الله سبحانه وتعالى عز وجل بالنصر، والذين بشرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم سيظلون مجاهدين في سبيل الله إلى أن تقوم الساعة؛ “لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ“؛ هناك خذلان في موطن النصرة، هناك من يخذلكم، نعوذ بالله أن نكون منهم، هناك من يخالفكم في مشروعكم وفي خططكم، ولكنكم صامدون صابرون ثابتون. فالبركة متجلية ظاهرة في بيت المقدس وستبقى إن شاء الله تعالى إلى يوم القيامة، والبركة: الزيادة في الخير، فمن بركة هذا الجهاد المقدس ما رأيناه عبر العواصم الإسلامية، بل حتى الغربية، من تعاطف ومساندة ومن غيرة على أرض الله المقدسة، نسأل الله تعالى أن تصيبنا هذه البركة لنعيش بها ولها ومعها حتى يأذن الله سبحانه وتعالى عز وجل بالنصر والفتح المبين.
فضيلة الإمام عبد السلام ياسين له رؤية؛ سنة الله سبحانه وتعالى وعلاقتها بتحرير القدس وبيت المقدس. كيف ترى المعركة الأخيرة في إطار نظرية “سنة الله” التي تحدث عنها الإمام عبد السلام ياسين مؤسس الجماعة؟
كانت قضية فلسطين تشغل بال الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله سبحانه وتعالى عز وجل وقلبه وعاطفته، وكرس قلمه ودروسه من أجل الدفاع عنها وتوعية الأمة بهذه القضية المصيرية، وهو يرى أن هناك عامل تحرير الإنسان الذاتي من الهوى والنفس والشيطان ليتحرر من قيود الأرض وليكون مجاهدا في سبيل الله، أي الاستعداد الفردي. وهذا الاستعداد ينبغي أن يقوم به الفرد في مجموعة من المؤمنين، يعني الأمة كلها يجب أن تقوم بنفس العملية. بمعنى أن وحدة الأمة تتوقف على تحرير الإنسان وتحرير الأوطان من الاستسلام لمخططات الغرب وللأسرار التي صنعها الغرب والتي تتحكم في رقابنا، فهي التي تقيد الكثير من أن يسهم في تحرير بيت المقدس.
المعركة الأخيرة أشعلت في نفوس المسلمين الأمل باقتراب وعد الآخرة، الشيخ عبد السلام ياسين تحدث أيضا عن “وعد الآخرة”، وأن الطائفة المؤمنة في فلسطين ستحقق بإذن الله سبحانه وتعالى هذا الوعد الإلهي. هل في اعتقادك نحن اقتربنا من وعد الآخرة حسب ما رأيتم وتابعتم في معركة “سيف القدس” الأخيرة؟
يربط الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله سبحانه وتعالى عز وجل النصرة بأمرين أساسين:
الأمر الأول: اليقين في وعد الله سبحانه وتعالى عز وجل.
الأمر الثاني: تحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى عز وجل.
ومن شروط تحقيق العبودية إعداد القوة؛ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ، وإعداد القوة لا تنحصر في المجال التعبدي إنما الحياة كلها مسرح ليبرهن الإنسان فيها عن عبوديته لله سبحانه وتعالى عز وجل.
إذن لابد أن يكون اليقين في الله سبحانه وتعالى والتوكل عليه مع الأخذ بالأسباب، وعندما نستوفي الشروط يأتي فتح الله سبحانه وتعالى عز وجل: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا؛ متى يتحقق هذا الوعد؟ نحن نرى تباشيره والحمد لله سبحانه وتعالى عز وجل تبدو جلية واضحة، والله سبحانه وتعالى أخبرنا أن هذا الوعد جاء بالصهاينة من بقاع العالم إلى الأرض المقدسة لتكون مقبرة جماعية لهم؛ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا، فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ.
متى وكيف؟ العلم عند الله سبحانه وتعالى عز وجل، ولكن هذا يقين، وتباشير اقتراب هذا الوعد واضحة. ومن هذه التباشير رجوع الأمة إلى الله سبحانه وتعالى عز وجل؛ الشباب أصبح يقبل على المساجد وعلى كتاب الله سبحانه وتعالى عز وجل.
بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا كيف نحقق هذه العبودية؟ الرسول صلى الله عليه وسلم بشر أننا سنقاتل اليهود، أنتم شرقيو الأردن وهم غربيوه حتى يقول الحجر والشجر “يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ”، فعندما ننطلق بصفة الإسلام وصفة العبودية لله سبحانه وتعالى عز وجل ستكون لنا الصولة على أعداء الله سبحانه وتعالى عز وجل، إذن ما علينا إلا أن نقرب هذا الوعد بالأخذ بالأسباب، إنه قدر الله نسأله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن يستنزلون هذا القدر؛ بالوقوف بين يديه وبالأخذ بهذه الأسباب وبالجهاد في سبيل الله.
ولكن إذا تراخت الأمة وبعدت عن الله سبحانه وتعالى عز وجل وأصابها الوهن والضعف، فلا نطمع في نصر الله سبحانه وتعالى عز وجل، ولكن كما قلت فالحمد لله الأمة بدأت تصطلح مع الله سبحانه وتعالى عز وجل، وهذا من مؤشرات اقتراب الوعد، نسأل الله تعالى أن يكون قريبا بحوله وقوته.
المعركة الأخيرة كشفت زيف التطبيع، زيف الذين يتحدثون بفقه التعايش مع العدو الصهيوني، زيف الذين يتحدثون عن فقه الواقع وفقه الموازنات الكاذبة، الذين صاروا في قطار التطبيع انكشف زيفهم وانكشف عوارهم، الفئة المؤمنة الضعيفة المحاصرة أكثر من 15 عاما استطاعت أن تثبت وأن تواجه وأن تهزم هذه القوة التي ينظر البعض – للأسف – من الإسلاميين إلى فقه التعايش وفقه الموازنة وفقه الواقع. كيف كشفت هذه المعركة زيف هذه الأصوات المنبطحة، الضعيفة أمام قوة الحق؟
الذي لا يقين لهم في وعد الله سبحانه وتعالى عز وجل يقارنون بين المعطيات والأسباب المادية، بين ما تملكه المقاومة وما يملكه العدو المدعوم من العالم بأسره، كما قال الله سبحانه وتعالى إلا بحبل من الله وحبل من الناس، فهذا الحبل الآن موصول، هذه الشرذمة التي كتب الله سبحانه وتعالى عز وجل عليها الخزي والهوان والذل والمسكنة، هذه حالة استثنائية بالنسبة إليهم. لماذا؟ لأن هناك مدد من الله ابتلاء لنا، ومدد من الناس، لم يقل الله سبحانه وتعالى “من أمريكا” ولكن قال “من الناس”، فنجد حتى بعض المسلمين خصوصا حكامهم يتعاملون مع العدو؛ على المستوى التجاري والفني والسياسي.. يجعلون منهم أصدقاء، يفعلونه طلبا لمرضاة اليهود ولمرضاة أمريكا، لأنهم يعتبرونهم القوة التي يمكن أن تحميهم وتدافع عن مصالحهم؛ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا ۚ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا وكلا، أداة ردع وزجر.
هذه الشرذمة التي تسعى للتطبيع ستصبح – إن لم تتب إلى الله وتنحاز إلى قضية الأمة – منبوذة مخزية مذلولة، ليس من قِبل المسلمين فحسب بل حتى من قبل من يتمسحون بهم، ومن يلتجئون إليهم، ومن يحتمون بهم. هذا قانون الله سبحانه وتعالى يسري في العلاقات؛ من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس.
هذا درس بليغ إن كان هناك من يعي ويعتبر؛ كيف لفئة قليلة من المؤمنين مستضعفة محاصرة لا حول لهم ولا قوة أن تقمع العدو وأن توقفه عند حده وأن تلقنه الدرس الذي لا ينساه؟ كيف بها أن تبقى شامخة منتصرة مزهوة بفضل الله سبحانه وتعالى عز وجل وإرادته؟ هو درس يجب أن يعيه المطبعون؛ أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وبأن من ارتبط بمن كتب الله عليهم الذلة سيصابون بهذه الذلة وبهذا الخزي وبهذا العار، فإن أرادوا أن يستفيدوا من هذا الدرس البليغ الذي قدمه إخواننا المجاهدون في فلسطين، نسأل الله عز وجل أن يزيدهم قوة ونصرا وتمكينا وسندا، ندعوهم ألا يضيعوا هذه الفرصة وأن ينحازوا إلى قضية الأمة ليحصل إجماع أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم من مشارق الأرض ومغاربها، وأمة الدعوة كذلك، وفيها الكثير من الأحرار المتعاطفين مع هذه القضية، وهذا سيحصل بالتدريج إن شاء الله سبحانه وتعالى عز وجل، فالله يهيئ الأسباب لجمع شتات المسلمين ليسترجعوا قوتهم ويوظفون قدراتهم، وما أكثرها وما أوسعها؛ المادية والتكنولوجية والعلمية.. لأجل المعركة الفاصلة المنتظرة إن شاء الله تعالى.
فهو نصر محقق ولكنه منغص ما لم تتم الفرحة العظمى؛ وهو أن نرى هذه الشرذمة قد رجعت إلى مكانها، وطهر الله سبحانه وتعالى الأرض المقدسة، وأصبحت راية “لا إله إلا الله” ترفرف على القدس وعلى الأمة الإسلامية، وما ذلك عليه بعزيز.
فضيلة الشيخ، الثلة المؤمنة في فلسطين قامت بواجبها ونصرت مسرى نبيها، وعلى الأمة دور مهم وواجب عظيم يجب أن تقف عنده. ما دور علماء الأمة؟ ما دور الأمة العملي في نصرة القضية الفلسطينية والقدس والمسجد الأقصى، وأنت شيخ على رأس جماعة كبيرة حركت المليونيات في الرباط وفي سائر المدن المغربية؟
دور الأمة هو دور أهل القدس وفلسطين، لا فرق، لأن الواجب لا يترتب على أكتاف أهل بيت المقدس والفلسطينيين فحسب، بل هي مسؤولية وأمانة على عاتق كل مسلم، فيجب أن يبذل كل ما في وسعه لأجل نصرة بيت المقدس، ونصرة أهله، على جميع المستويات.
على الأمة أن تتحرك في اتجاهين؛ الاتجاه الأول أن تَتَحرر لتُحرر، تتحرر من الظلم الذي تعيش في كنفه وتحت ظله لتقيم شرع الله تعالى في أرضه، فيتحرر الأقصى وتتوحد هذه الأقطار.
الثاني؛ ونحن في إطار التحرك على مستوى مناطقنا ودولنا لا ننسى أن نمد إخواننا في فلسطين بكل ما يحتاجون إليه، وأن نعد أنفسنا لنكون أهلا لهذا الإمداد؛ أن نجمع قوتنا، أن نتعاطى للأسباب، ندفع الشباب إلى تعلم التكنولوجيا، فالسلاح الآن لم يعد سلاحا تقليديا، لابد أن نكتسب الخبرة الحربية، لابد أن نبني اقتصادا قويا يغطي حاجياتنا بل وننفق به على المستضعفين في الأرض، لابد أن نتخذ الوسائل؛ إعلاميا، وسياسيا وقانونيا.. نشر الوعي في الأمة، الصدح بكلمة الحق، لأن الكثير من العلماء مخافة بطش حكامهم لا يسمع لهم صوت في هذه المعركة.
هل هناك مساحة وإمكانية لتتحرك الشعوب العربية في اشتباك متواصل مع العدو الصهيوني كل في موقعه؛ محاصرة السفارات والأماكن التي يتواجد فيها الصهاينة في البلدان العربية وغير العربية، هل سيتحقق هذا الأمر يوما ما ليضغط على العدو الصهيوني للتخفيف من جرائمه في القدس وفلسطين؟
هذا ما ينبغي القيام به، على المستوى العاطفي الحمد لله سبحانه وتعالى عز وجل؛ هناك تعاطف كبير مع القضية، ولكن على المستوى العملي الإجرائي ينبغي التحرك كل من موقعه وحسب طاقته، كل ما يشدد الخناق على العدو، وكل ما يفتل في حبل نصرة القضية، على المسلمين أن يتعاطوه، على الأمة أن تعمل به لأجل تحرير بيت المقدس، الوسائل التي يستعملها البشر عادة في المواجهة اليوم، فالحروب وسائلها متعددة؛ الحروب الإعلامية، السياسية، الاقتصادية، العلمية، التكنولوجية.. هي أسباب على الأمة كلها أن تتعاطاها لأجل إيقاف العدو عند حده وإسكات صوته، يجب أن يكون الكل صدى وصوتا للقضية الفلسطينية؛ يعبئوا لها الأمة ويوضحوا أهميتها وأحقيتها في الوجود، فالمعركة معركة وجود، وأي تخاذل وأي تقاعس سيكون سببا في تأخر النصر وجلب الهزيمة. على مستوى الأمة مثلا؛ الذي لا يلتزم بأوامر الله تعالى، فهو يدفع بعربة النصر إلى الوراء، فلا بد أن نكون على قلب رجل واحد وندفع بعربة النصر إلى الأمام؛ عبودية لله وطاعة له وامتثالا لأمره وأخذا بالأسباب حتى يتحقق النصر الموعود.
ذكرت أنواعا للجهاد متعددة؛ الجهاد بالمال، والجهاد بالعلم، والجهاد بالإعلام، وقد تحدث عنها النبي صلى الله عليه وسلم: “جاهدوا المشرِكين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم”، لكن دعنا نقف عند نقطة مهمة؛ الجهاد بالعلم. اليوم أثبتت التجربة أن المغرب الإسلامي قدم لنا علماء مثل الشهيد الزواري في تونس، جاهد بعلمه وهو في بيته في بلده تونس، قدم الخبرة والتجربة، كيف للأمة أن تقدم الخبرات والعلم والتقنيات التي تساعد المجاهدين والمقاومين في فلسطين، وأن يكون هذا باب جهاد جديد يفتح للأمة كل في موقعه ومكانه؟
السواعد مفتولة والحمد لله تعالى، إخواننا في فلسطين لا يحتاجون إليها، فأنتم أهل لذلك؛ أهل فتوة وأهل قوة بدنية، ولكن احتياجاتكم إلى هاته الأمور التي يستعملها العدو؛ كيف نتقنها ونتفوق فيها؟ كيف نكتسب العلوم التقنية والفيزيائية والكيميائية لأجل صناعة الأسلحة؟ يجب أن ندفع بشبابنا وبالأذكياء منا لأجل التخصص في هذه الميادين لأجل نصرة هذه القضية، فالمسألة ليست مسألة الكم العددي ولكن مسألة الكيف، فالمعركة لا بد أن تراعي الكيف قبل الكم، خصوصا الغثائي، لا عبرة له عند الله سبحانه وتعالى عز وجل: “ولكنكم غثاء كغثاء السيل”، المطلوب في المعركة النوعية..
أستثمر هنا الدقائق المتبقية لتوجيه رسالة لأبنائكم؛ أبناء الجماعة وأبناء الأمة الإسلامية وأبناء الشعب الفلسطيني، ما هي رسالتكم فضيلة الشيخ بعد معركة “سيف القدس”؟
أقول لنفسي أولا ولإخواني ولمن يتابعوننا في هذا الحوار الشيق المبارك: لا ينبغي لنا أن نترك هاته الشمعة تنطفئ، أن تموت هاته الهبة في مهدها، على الجميع أن يبقى حذرا مرتبطا بالله سبحانه وتعالى عز وجل، باذلا جهده وطاقته في نصرة القضية، نتحرك في الوسط الذي نعيش فيه مع عائلاتنا ومع مجتمعنا وكل من لنا ارتباط به، نبث فيه الوعي بهذه القضية تحريضا وتحفيزا ورفعا للهمة وإطلاعا على ما يعانيه إخواننا في فلسطين؛ الآلاف من المشردين، المئات إن لم أقل الآلاف من الجرحى، عشرات من الشهداء، مرافق دمرت وخربت.. من يعيد لإخواننا مكتسباتهم؟ هي مسؤولية الأمة كلها، يجب أن نكون أهلا لأداء هذه الأمانة الملقاة على عاتقنا.
ونشكر إخواننا في فلسطين ونعتذر لهم عن تفريطنا وتقصيرنا، ونقول لهم: إن دماءكم ومعاناتكم لن تذهب سدى إن شاء الله تعالى عز وجل، فهي تحرك هممنا وتبث فينا قوة الارتباط بالله عز وجل سبحانه وتعالى، فلا تيأسوا ولا تقنطوا ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، واعلموا أن من ورائكم آلاف مؤلفة من شباب الأمة يتعطشون حرقة لأجل الوقوف بجانبكم ومناصرتكم. لا تضعوا السلاح، ارتبطوا بالله، اعتمدوا على الله، توكلوا على الله، والله سبحانه وتعالى عز وجل معكم، وأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم معكم. نسأل الله تعالى أن يحيينا لنعيش معكم الفرحة الكبرى يوم يتحرر بيت المقدس وتتحرر الأمة كلها من قيود الظلم والطغيان والفساد. بارك الله فيكم وجزاكم عنا أحسن الجزاء، والله معكم ولن يتركم أعمالكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.