أكد الأستاذ حسن هاروش أن “محاصرة الأستاذ عبد السلام ياسين والتضييق عليه وحرمانه من حقوقه المكفولة بموجب القوانين الوطنية والمواثيق الدولية واعتقاله امتد منذ توجيهه لرسالة “الإسلام أو الطوفان” إلى غاية وفاته رحمه الله، ولم تقتصر فقط على تجربة الحصار”.
المحامي بهيئة الدار البيضاء الذي كان يتحدث ضمن فعاليات ندوة القراءة في كتاب الدكتور أحمد الفراك “صناعة الحرية.. التجربة السجنية للأستاذ عبد السلام ياسين” التي نظمتها الجماعة بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيل الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله وشارك فيها إلى جانب ثلة من الباحثين والفاعلين عصر يوم السبت 08 يناير 2023م، أكد أن القاسم المشترك بين التجارب السجنية الثلاث التي اقتصر عليها المؤلِّفُ لدواعٍ أدبية، هو أنها تشكل “اعتقالا سياسيا لرجل كل ذنبه أنه دعا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة في غير غلو ولا عنف”، بل طالب فقط، يضيف هاروش “بالعدل وقسمة الأرزاق وبحق كل مواطن في التفكير والتعبير والتنظيم”. وهذا الاعتقال كان بهدف، يعقب المحامي، عزل الإمام ياسين عن التواصل مع الناس أفرادا وجماعات.
وقد اختار الأستاذ هاروش وصف التجربة السجنية الأولى للإمام بعد رسالة الإسلام أو الطوفان التي صدرها مؤلَّف الدكتور الفراك بوصف “الاحتجاز ” عوض الاعتقال؛ لأن المفهوم الأخير في نظره يكون مفعما بضمانات قانونية، وهي الضمانات التي غابت في احتجاز الإمام رحمه الله بعد تلك الرسالة على متن سيارة إسعاف! ومن قبل عناصر أمنية بزي مدني بتاريخ 18 شتنبر 1974، وإيداعه مستشفى الأمراض الصدرية بمراكش، أُبقي فيه لسنتين ثم نقل إلى مستشفى الأمراض العقلية الذي مكث فيه زهاء 18 شهرا.
والملاحظ، حسب المحامي هاروش أن تفتيش بيت الأستاذ عبد السلام ياسين واحتجازه كان خارج نطاق القانون والمشروعية، إذ لم يتم التحقيق معه وتوجيه التهمة له وإحالته على محكمة مستقلة ومحايدة لتنظر في قضيته، ودون تمتيعه بكافة ضمانات وشروط المحاكمة العادلة كما تنص على ذلك القوانين الوطنية (الفصل 9 من دستور 1972، الفصل 81، الفصل 34 والفصول 288 إلى 513 من قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959 الساري آنذاك…)، والمواثيق الدولية (المادتان 9، 10 والمادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، المادة 9 والمادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966…).
ومكان الاحتجاز يشكل في نظر الخبير القانوني انتهاكا صارخا، حيث إن اختيار مستشفى الأمراض الصدرية، كان الغرض منه التخلص من الإمام ياسين دون أي تبعات حقوقية أو سياسية، وعندما لم يؤدِّ المكان الأول وظيفته الانتقامية تفتقت عبقرية الحاكمين عن مكان ثانٍ وهو مستشفى الأمراض العقلية، لإيهام الناس أن صاحب الرسالة مختل عقليا، أو لعله يصير كذلك بعد مخالطته للمختلين عقليا في المستشفى، أضف إلى ذلك، يسترسل الأستاذ حسن إلى ما كان يسم هذه الأمكنة، حسب شهادة الإمام نفسه من قذارة وانعدام شروط النظافة، انتشار الأمراض الفتاكة وفيه انتهاء صريح للمادة 10 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. وهذا ما دفع هاروش إلى التيقن أن المكان كان معدا للإخفاء السري أكثر منه مكانا لاعتقال السجين. واصفا احتجاز الأستاذ ياسين دون محاكمة بأنه عمل تحكم مجرَّم، وإيداعه في مستشفى يعد، بحسبه، إخفاء سريا قسريا مدانا وفق القوانين الوطنية والشرعة الدولية.
وبعد هذه التجربة السجينة الأولى كثَّف الإمام نشاطه الدعوي والتواصلي كما يصف ذلك كاتب “صناعة الحرية.. التجربة السجنية للأستاذ عبد السلام ياسين”، حيث أنشأ مجلة الجماعة سنة 1979 للتعبير عن فكره والتبليغ عن دعوته، لكن ما كتبه في العدد 10 من هذه المجلة بعنوان: “قول وفعل” تعليقا على رسالة القرن للملك الحسن الثاني رحمه الله أغاض المخزن ليعتقل الإمام رحمه الله للمرة الثانية في 27 دجنبر 1983 والحكم عليه بسنتين حبسا نافذا.
ومحاكمة الإمام ياسين من أجل فكرة قالها أو رأي عبر عنه يعد، حسب المحامي، خرقا لحرية الرأي والتعبير المنصوص عليها في المادة 10 من دستور 1972 والمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ونفس المادة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. ليؤكد في نهاية عرضه لهذه التجربة الثانية أن الدولة رسمت منطقا غريبا في التعامل مع الإمام وجماعته، استمر إلى اليوم، وهو أنهما خارج القانون كلما كثفا من الأنشطة.
وتكثيف الأنشطة كانت جريرة الإمام الدائمة، يضيف هاروش، ليفرض عليه في التجربة الثالثة حصار ا منذ أواخر 1989 وامتد حتى سنة 2000 في خرق سافر وفاضح للفصل 10 من دستور 1972 (حرية التجول والاستقرار) والمادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وغيرهما.
ولفت المحامي في هيئة الدار البيضاء إلى أن الإقامة الإجبارية هي عقوبة جنائية أصلية نصت عليها المادة 16 وينبغي أن تصدر من خلال محاكمة وإصدار حكم يحدد مدة الإقامة، ومكانها وحدوده ومختلف الإجراءات التي غابت في حصار الإمام ياسين رحمه الله.
وختم الأستاذ هاروش مرافعته القانونية والحقوقية في ندوة التجربة السجنية للإمام بالإشارة إلى أن هيئة دفاع الإمام ياسين تقدمت في 22 يوليوز 1992 بدعوى الإلغاء أمام المجلس الأعلى في القرار الضمني لوزارة الداخلية المخالف للمشروعية وتضمنه للشطط في استعمال السلطة أثناء فرض الإقامة الإجبارية على الإمام رحمه الله، لكن هذا المجلس انتظر إلى 22 يونيو 2001 بعد إشعاره من طرف دفاع الإمام برفع الحصار ليصدر قراره بعدم قانونية الحصار، وفي ذلك تهرب من البت في القضية وإنكار للعدالة الذي تجرمه مقتضيات الفصل 2 من قانون المسطرة المدنية.
وجدير بالذكر أن هذه الندوة عرفت، أيضا، مشاركة مؤلف الكتاب الدكتور أحمد الفراك، وكذلك مقدم الكتاب المعتقل المغربي الشهير الأستاذ أحمد المرزوقي المعتقل السياسي السابق بسجن تزمامارت سيء الذكر وصاحب كتاب “الزنزانة رقم 10“. إضافة إلى مداخلات كل من الأستاذ عبد الله لعماري المحامي والمعتقل السياسي السابق، والدكتور عبد القادر الدحمني الكاتب والباحث في الأدب، والدكتور بلقاسم زقاقي الباحث في الفكر الإسلامي والمعتقل السياسي السابق.