جنازة رجل.. رجل فقط! لم يذكر اسم الميت ولا حيثيته الاجتماعية أو العلمية.. كانت حياته حافلة بكذا منجزات..
جثة هامدة أمامنا، جثة رجل فقط!
إنه بين يدي مصلين يذكرهم الإمام: جنازة رجل (رجل فقط! غير معرف بالألف واللام!).
رافقت ولادته زغاريد الفرح بقدومه إلى دار الدنيا.. عقيقته كانت مشهودة تليق بسمعة والديه.. تهاطلت عليهما تهاني وهدايا.. منذ ذلك الحين، وهو يحمل اسما ينادى به طيلة حياته!
اليوم، كأن لم يكن له اسم!
جنازة رجل!
عظة بليغة وتنبيه لنا عما ينتظرنا جميعا!
إنها النهاية الحتمية لكل إنسان!
كفن ودفن وحفرة تسمى قبرا!
إن الحضارة الغربية المعولمة مبنية على نسيان الموت، ما الموت في عرفهم إلا “مأساة عظمى” تعكر صفو لذة حياة دنيا آيلة إلى العدم!
يقولون بلسان حالهم ومقالهم: مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [سورة الجاثية: 24].
“المسلمون المؤمنون بالله عز وجل وبرسالة نبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يعتبرون ذكر الموت فكرة تسكن دقائق عمرهم، إذ لا بد أن تصاحبنا صورة “الرجل” الذي سنكونه اليوم أو غدا. يذكر المؤمنون الموت عند الاستيقاظ وعند النوم، وخاصة في صلواتنا ومواعظنا. وذلك حتى تظل حقائق ما بعد الموت حاضرة في أذهاننا، حقائق البعث والحساب عما اقترفته أيدينا، والحكم الذي سيصدره الحَكَم العدل سبحانه، ثم الجنة التي سيخلد فيها السعداء والهاوية التي سيلقى فيها الأشقياء.
يا حسرةً على الإنسان الحديث، المثقف أو المتثاقف! لا يرى فيمن يحدثه عن الموت سوى مخرف مختل أو عُصابي أو مجنون مآله مستشفى الأمراض العقلية” 1.
ومن إكرام ميتنا غسله وتكفينه ثم الصلاة عليه قبل دفنه. وصلاة الجنازة أربع تكبيرات، يقول: “الله أكبر”، يكبر التكبيرة الأولى ثم يقرأ سورة الفاتحة، يكبر التكبيرة الثانية ثم يصلي على سيدنا النبي “قراءة الصلاة الإبراهيمية”، يكبر التكبيرة الثالثة ثم يدعو للميت بما شاء من الأدعية منها: “اللهم اغفر له وارحمه، اللهم وسع مدخله، وأكرم نزله، اللهم مد له في قبره مد بصره، اللهم أبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله، اللهم اعف عنه، اللهم ارحمه”.
ثم يكبر التكبيرة الرابعة وبعدها إما الدعاء أو السكوت قليلا ثم ينهي صلاته بالتسليم مرة واحدة على يمينه وهو قائم.
الدعاء بعد التكبيرة الرابعة اختلف العلماء في حكمه بعضهم ذهب إلى مشروعيته وآخرون إلى عدم مشروعيته.
اخْلَعْ ثِيَابَ مَهَانَةٍ
وَاسْمَعْ نِدَاءَ المَاجِدِ
الرِّحْلَةُ الغَرَّاءُ قَدْ
بَدَأَتْ بِرَكْبٍ حَاشِدٍ
فَاشْهَقْ وَمُتْ مَوْتَ الجَبَا
نِ أَوِ الحقَنَّ وَجَاهِدِ 2