في كل ذكرى نتذكر ما يجمعنا مع مَن نتذكرهم، فنتذكر الأحباب ونتذكر معهم الأحداث والوقائع والأوقات والأماكن والوصايا، فنعتبر ونسترجع ونستهدي، ونذكُر مما نذكره عملهم وفضلهم وسابقتهم ونصيحتهم. ألا وقد جمعنا بهذا الرجل – الأستاذ عبد السلام ياسين – الكثير:
– أولا: فهو مُربٍّ، وأثرُ المربي الرباني في تلاميذه لا يعدله أثر، لأن تربيته تسري في قلوبهم وتصبغ أخلاقهم وتصنع هويتهم النفسية والمزاجية، وتضعهم على قدم المربي الأعظم صلى الله عليه وسلم في كمال تربيته وتمام أخلاقه وشمول دعوته. وحقَّ لمن صحبوه وتربوا على يديه أن يذكروه ويذكروا أثره فيهم ويذكروا فضل الله عليهم به.
– ثانيا: فهو عالمٌ، وأثر العالم العامل بعلمه في متعلّميه لا حدود له، فهو يغرس فيهم الخشية والشهادة لله والانتصار للعلم والحق والخير، فترتبط المعارف التي تلقوها منه ونقلوها إلى غيرهم وعملوا بها وجدَّدوها جيلا بعد جيل بروح القيم النبوية الخالدة التي لا يفنيها الزمان ولا الحدثان. وحُق لمن تعلم هذا العلم وذاقه وتشرف بالعمل به والدعوة إليه، على يد هذا الرجل العلَم، أن يتذكره ويذكره لغيره ما وسعه مقام.
– ثالثا: فهو مفكرٌ، وتأثير المفكر الموفَّق في قرائه لا حصر له، فهو يغرس في أرض تفكيرهم وتفكُّرهم واستبصارهم روح المنهج؛ يُرشد اقتناعاتهم ويُقوم استدلالاتهم ويُصحح اجتهاداتهم، ويُوفر لهم من خلال اجتهاده ونظريته في التغيير ما يُعينهم على التحرر في معالجة سؤالات دينهم ومشكلات عصرهم وما يُهمهم في تفكيرهم وفي تدبير شؤونهم. وحُق لمن استفاد من هذا المنهج واقتنع به وتحقق من صوابه أن يستمسك بأصوله ويعمل بقواعده في حل معضلات واقعه، ويجتهد في تجديده واستئناف العمل به.
– رابعا: وهو سياسي، والسِّياسي الحق يترك بمنهاجه الكُلي الإصلاحي الوسطي أثر رؤيته ومواقفه في أجيال متلاحقة من المسلمين تجعل منه قدوةً ومثالاً في صدق نضاله وفي قوة اقتراحه، كما في صبره على اقتحام عقبات الطريق، وتجلّده في القيام ضد غواية السلطة وإغراءاتها. وحُقَّ لمن اهتدى إلى هذه الحكمة أن يستنير بنورها ويعض بها على النواجذ، ويتذكرها ويُذكر بها ويتذاكر فيها.
فهو بذلك الإمامُ الإمام؛ الـمُربي والعلَّامة والـمُفكر والسّياسي، آتاه الله تعالى الفقهَ الجامع تزكية وتعليما وحكمة وجهادا، جمعاً للكلمة ورصًّا للصف وصناعة للقوة وأداء للأمانة وتبليغا للرسالة، وهيأه سبحانه ليكون قدوةً لخلقٍ كثيرٍ في مشارقِ الأرض ومغاربها؛ رجالا ونساء، شبابا وشيوخا، عربا وعجما، وأقدره على ذلك تكرما منه وتوفيقا، فظهرت نورانيته وانتشرت دعوته واتضحت فكرته وبرزت حكمته في تجديد دين الإسلام بعد التغرُّب والبِلى.
رحمه الله تعالى وجزاه خير الجزاء على ما قدَّم للإسلام والمسلمين والناس أجمعين. ولله الفضل ومنه التوفيق.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه.