خلق الله تعالى الناس من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، يقول سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (النساء، 1).
فالله تعالى خلق البشر “مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ” هي نفس آدم عليه السلام، “وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا” وهي حواء التي خلقت من أضلاع آدم عليه السلام، “فمن” قد تفيد التبعيض لأن حواء خلقت من بعض آدم، وقد تفيد البيان لأن حواء خلقت من جنس آدم حتى تتحقق الألفة والوفاق والمودة والانسجام، حيث إن الجنس للجنس أميل. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “استوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه. فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا” (رواه البخاري).
خلقت حواء إذن من ضلع آدم، وهو الضلع الأعوج، وهذا الضلع هو الذي يحمي القلب من أي صدمة، فلولا أن هذا الضلع أعوج في الإنسان لكان من شأن أقل ضربة أو إصابة على الصدر أن تحدث نزيفا في القلب، لذلك فإن مهمة حواء ومثيلاتها من النساء في الحياة أن يتعاملن مع العاطفة التي هي من القلب أصلا، وعليها أن تفتخر بخلقتها من هذا الضلع الأعوج، فهي الأم الحنون، والزوجة المحبة، والأخت الصابرة، والابنة العطوفة…
كانت مسؤولية آدم وحواء عليهما السلام مشتركة، حيث وسوس لهما الشيطان معا، وأكلا من الشجرة المحظورة معا، وبدت سوءاتهما معا، وعاتبهما الله معا، وتابا معا، وأهبطا الأرض معا… فلا مجال إذن أن يلقى اللوم والعتاب على أحد دون الآخر.
لقد وصفت المرأة – في مواطن كثيرة – بأنها ناقصة عقل ودين، فالنقصان هنا شرف وعزة، وليس ذلا ونقصا. ناقصة دين أي أنها إذا حاضت يتفضل الله بإعفائها من بعض العبادات، فهو سبحانه وتعالى أعلم بحالها ومزاجها المتغير – خاصة خلال فترتي الحيض والنفاس – وهي رسالة بليغة يبعثها الله عز وجل إلى الرجل ليحذو حذو العظام في التعامل مع القوارير. وناقصة عقل حيث إن شهادة امرأتان بشهادة رجل واحد، والعلة والحكمة نجدها في قوله تعالى: أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ (البقرة، 282)، وهذا دليل رفعة على عاطفتها اللامحدودة، وإلا لماذا يقول الله تعالى -مثلا-: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (المائدة، 38)؟ لماذا التكليف وهي ناقصة عقل ودين؟ إن الله تعالى عادل هو من خلق العدل، وإلا كيف يجعل الله الجنة تحت قدمي من تكون ناقصة عقل ودين؟
يقول الله تعالى على لسان عزيز مصر – وهو كافر -: فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (يوسف، 28)، والعجيب أن الله عز وجل ذكر في السورة نفسها كيد الرجال قبل ذكر كيد النساء على لسان نبي الله يعقوب عليه السلام وهو الموحى إليه من الله تعالى: قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (يوسف، 5)، ومع ذلك لا يفتأ العديد من الناس يستعملون الآية الأولى ويتغاضون عن الثانية، ويتناسون أن الخير والشر موجود في الجنسين وعليهما رتب الله عز وجل الجزاء ثوابا وعقابا، سنة الله الظاهرة الجلية التي لا تخفى إلا على زائغ.
إن المرأة نصف المجتمع، بل المجتمع كله ما دامت تربي النصف الآخر، وهي أساس كل بناء، فلا يكرمها إلا كريم، ولا يهينها إلا لئيم. وقد لاقت المرأة على مر العصور والأزمان من أثقال الفهم الخاطئ لنصوص الدين وقبله وبعده من الأعراف التمييزية ما تئن به الجبال، ويكفينا قوله تعالى الذي يلخص قمة المعاناة والحكرة.. وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (التكوير، 8 – 9)، وقوله تعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (النحل، 58)، وكأنها الوباء والعار والقذارة والقبح… ليتفضل الله تعالى – وهو أرحم الراحمين – فينصفها، وينزلها المنزلة التي تليق بها، ولِيَعْدِلَ وَيُعَدّلَ أحكاما وتقاليد وأعرافا جائرة، ويضع حدا لكل سطو وظلم وتجبر وطغيان، في حق الإنسان عموما، والمرأة على وجه الخصوص.
إننا نسجل وبكل فخر واعتزاز حضورا بارزا للمرأة في القصص القرآني مما جعلها بطلة أحداثها، والمتربعة على عرش شخوصها. فلقد ذكرت لفظة “المرأة” في القرآن الكريم ما يزيد عن ألف وثلاثمائة واثنان وسبعون لفظة (1372)، وعلى طول ثلاثة وعشرين عاما والحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الرفق بها ويوصي بها خيرا. وقد بدا ذلك جليا من خلال أحاديث نبوية كانت المرأة محورها، فقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر، وكان غلام يحدو بهن يقال له أنجشة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “رويدك يا أنجشة سوقك بالقوارير” (رواه البخاري) والقارورة في معجم المعاني الجامع جمع قارورات وقوارير وهي أوعية من الزجاج تحفظ فيها السوائل.. والقارورة: المرأة على التشبيه بها في سهولة الكسر.
فرفقا بالقوارير… واستوصوا بالنساء خيرا… واعلموا أن خياركم خياركم لأهله… وعاشروهن بالمعروف… فـ“كلكم راع ومسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته” (رواه البخاري).