شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ [البقرة: 185].
رمضان واسطة العقد وتاج الشهور، وفي انتظاره نشعر وكأننا في انتظار عزيز طال شوقنا للقياه، وعندما يحل نهنأ ونسعد، وعندما يغادر نشعر بمغص الفراق، نعامل رمضان كما يعامل الإنسان واحدا من محابه. أحيانا يخيل إلي أنه يشتاق إلينا بقدر شوقنا إليه أو أكثر، ويبادلنا نفس مشاعر اللقاء والفراق.
فماذا لوكان رمضان إنسانا؟ يا ترى كيف تكون خصاله الجميلة؟
مبدع دقيق الموعد
مهما كانت الظروف والأحوال المناخية يصل في الموعد بنفس الأناقة، بنفس الجمال، محبوب الطلعة، جميل الطلة، يأتي في فصول مختلفة حتى نعبد الله بطعم الأوقات كلها.
مستأذن خفيف الظل
لا يفاجئ محبيه بل يرسل نفحات لتخبر الناس أنه قادم، يرسل نسمات نشتمّها في رجب وشعبان، فتتهيأ القلوب والأرواح لاستقباله بما يليق بمثله.
يمكث أسابيع وكأنها ثوان، وعندما يشعر بتعلق الناس يغادر في هدوء وآخر عهدهم به شوق وحب.
محبوب الأطفال
كثيرا ما يحير الأنسان في تقييمه لذاته، وقياس محبوبيته عند الناس: أهو محبوب أم لا؟ و من العلامات الاجتماعية المتعارف عليها حب الأطفال، فهو رمز لصفاء الصدر ونقاء السريرة، ورمضان هو محبوب الأطفال بلا منازع. رغم إهمالنا غير المقصودة لتغذيتهم في هذا الشهر الفضيل (وما ينبغي ذلك) بحيث يصير سحورنا إفطارهم وإفطارنا غذاؤهم، فهم أول المصطفين لاستقبال رمضان الخير وآخر المقتنعين برحيله.
كريم ذو ذوق
يجود ويكرم، تصير أيامه فياضة بالخير والأفضال المادية والمعنوية، يأتي بالرحمة ويعيش بيننا بالمغفرة ولا يغادرنا إلا وقد لاحت بشريات العتق من النار.
يستحي أن يزورنا صفر اليدين بل محملا بالهدايا، أعظمها ليلة القدر، وإذا غادرنا تركنا وهدية العيد رفقا بمشاعرنا الحزينة لفراقه.
مقسط رحب الصدر
رحيب لا يستهويه العُباد فقط، يميل بظله لتعم فضائله الجميع: ذو الذنب والسابق بالخيرات، يسع العاصي والمطيع، بل يكون للتائبين أقرب.
يقسم شعور الجوع والعطش بقسط وعدل، لا يحابي غنيا ولا يجافي فقيرا.
مكابد دؤوب
يغتنم كل الأوقات ليؤدي رسالته بإخلاص، ثلاثون يوما فيها الكثير من المهام، يعمل ليل نهار، يدعو لعبادة الصوم نهارا وعبادة القيام ليلا، ويخاطب الخلائق قلبا قلبا، وفي كل الأوقات لحظة لحظة: “يا باغي الخير أقبل و يا باغي الشر أدبر”.
حديث عهد بربه
لم يخالطه شيء من أكدار الدنيا، تغيب الشياطين محزونة عندما يحضر، وتعود خاسئة عندما يرحل، فهو شهر الله الذي لا يريده الله تعالى إلا لنفسه “إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به” [رواه البخاري ومسلم].
داع إلى الله
كل همه أن يتوب الناس، يحبب الله لخلقه ويقرب العباد من خالقهم، يفرح للتائب وينتظر أوبة العاصي، لا شغل له سوى أن يرى الناس في رحاب ربهم.
في الختام
هذه صورة رمزية، فهل من مشمر ليكون خلال هذه الأيام المعدودة رمضانيا كشهر الله هذا، مغبون من لا يقتفي أثره ويصير رحيما كريما محبوبا حكيما كرمضان.