نشرت قناة الشاهد، ضمن سلسلتها “رمضان الخيرات”، حلقة تحدث فيها الدكتور عبد العلي المسئول، أستاذ الدراسات القرآنية ورئيس وحدة التكوين والبحث بجامعة فاس، عن صلة القرآن الكريم بالصيام وبرمضان المبارك.
ذكّر الدكتور المسئول أن القرآن الكريم أنزله ربنا سبحانه وتعالى في ليلة مباركة، هي ليلة القدر، وهي توجد في شهر رمضان المبارك؛ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ. وأنه تعالى أنزله جملة في ليلة القدر إلى السماء الدنيا، ثم بدأ ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مفرقا على حسب الوقائع والحوادث، ومنه ما نزل ابتداء.
“كان القرآن الكريم ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس آيات وعشر آيات وأقل وأكثر”، يقول المتحدث ويوضح: “روي أن آيات قصة الإفك نزلت دفعة واحدة، وروي أن قول الله تعالى غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ، وهو جزء آية، نزل وحده، وروي أن سورة الفاتحة نزلت جملة واحدة، وكذا سورة الأنعام”.
ويسترسل صاحب كتاب “الكافي في التجويد” في بيان تلقي الصحابة القرآن الكريم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: “كان الصحابة رضوان الله عليهم حينما ينزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم يحفظونه ويفهمونه ويعملون به ويدعون الناس إليه، لأن الله تعالى أنزل كتابه للعمل به، وللدعوة إليه، “ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم” كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
ولإظهار “الارتباط الوثيق بين القرآن الكريم وبين الصيام ورمضان”، أورد المتكلم الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الصيامُ والقرآنُ يشفعانِ للعبدِ يومَ القيامَةِ، يقولُ الصيامُ: أي ربِّ إِنَّي منعْتُهُ الطعامَ والشهواتِ بالنهارِ فشفِّعْنِي فيه، يقولُ القرآنُ ربِّ منعتُهُ النومَ بالليلِ فشفعني فيه، فيَشْفَعانِ”.
وعلق عليه بقوله: “الصيام يشفع لصاحبه غدا يوم لقاء الله تعالى إن صام يومه إيمانا واحتسابا، والقرآن الكريم يشفع لصاحبه إن كان يقوم به آناء الليل. ومن ثم جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أشراف الأمة حملة القرآن وأصحاب الليل، الذين يحفظون كتاب الله تعالى ويتلونه آناء الليل وأطراف النهار، ولذلك مدح الله تعالى المحسنين بقوله: إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ.. ومن ثم هناك تلازم واضح بين الصيام والقرآن الكريم، فهما يشفعان للعبد يوم القيامة”.
ونقل أستاذ الدراسات القرآنية ما يروى أن أول ما نزل على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام هو قول الله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، وآخر آية نزلت عليه صلى الله عليه وسلم هي قوله تعالى: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ، قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم زاد بعد نزول هذه الآية تسع ليال وانتقل إلى جوار ربه عز وجل.
ونبه إلى أن نزول القرآن الكريم ارتبط بالقراءة وبالإقبال على الله تعالى، وأن آخر آية نزلت وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ، ليستنبط أن “بدايته ونهايته ووسطه وما بين ذلك كله يدلنا على الله، يطلب إلينا أن نقبل على ربنا سبحانه وتعالى، لأنه أنزل كتابه لنتدبره ولنعمل به ولنتعظ به ولتقشعر جلودنا منه عند تلاوته”.
وأضاف مؤكدا: “لذلك أنزل الله سبحانه وتعالى كتابه لهذا الأمر، لا ليتلى فقط، وإنما ليُتلى وليعمل به وليُتعظ به كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ولذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندما يُقرأ عليه القرآن يخشع قلبه، ذلك ما رواه لنا سيدنا عبد الله بن مسعود حينما قرأ عليه بعض آيات من سورة النساء، حتى إذا ما وصل إلى قول الله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا قال: “حسبك”، قال عبد الله بن مسعود: فنظرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا عيناه تذرفان، تذرفان الدموع مما عرفه وفهمه وخشع قلبه له من القرآن الكريم”.
وفي حكمة نزول القرآن العظيم مفرقا قال عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان: “هكذا نزل القرآن الكريم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث وعشرين سنة، نزل مفرقا، وكان الكفار يتمنون لو نزل القرآن الكريم جملة واحدة؛ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا. الله سبحانه وتعالى كان ينزل قرآنه على الرسول صلى الله عليه وسلم مفرقا منجما ليثبت به فؤاده”.
ليختم بالدعوة إلى المداومة على قراءة القرآن: “يجمل بالقارئ ألا يترك تلاوة القرآن الكريم، لأن به يحصل التثبيت، به يحصل الخشوع، به يتجدد الإيمان، إذ القرآن الكريم أعظم الذكر، وبالذكر يتجدد إيمان العبد”.