رمضان في زمن “كورونا”.. من الخوف إلى الرجاء

Cover Image for رمضان في زمن “كورونا”.. من الخوف إلى الرجاء
نشر بتاريخ

أقبل شهر رمضان الكريم، وشاءت الأقدار أن تكون أحوالنا على غير عادتها، وحياتنا على غير سيرورتها، في ظل اجتياح وباء، أخبرنا أهل الاختصاص بأن لزوم البيت أفضل وقاية وعلاج. 

أقبل شهر المغفرة والثواب، والناس في حسرة على أبواب المساجد التي أغلقت، والصلاة في الجماعة التي منعت، وأصوات الأئمة بالقرآن قد انخفضت.

أقبل شهر الرحمات، ووجد الناس بالبيت؛ وقد حرمت صلة الأرحام مع الأهل والأحباب، و عُلّقت زيارتهم واستزارتهم على وجبة الفطور أو العشاء. 

أقبل الشهر الفضيل، والأزقة فارغة من كل المظاهر التي كانت تعلن عن اقترابه.

أقبل شهر رمضان، ووجد أسرا على غير عادتها في اجتماع، ومرضى في مستشفيات على انفراد، تَبلغها منّا كل الدعوات بالشفاء في كل سجدة أو دعاء.

أقبل الشهر الكريم، والناس في حالة وجل على ضياع مهنهم، ورعب من أن تَكثُر متاعبهم.

أقبل شهر البركات، والأحوال غير الأحوال، فالبعض من الناس وجد في الحجر الصحي فرصة لمآرب لطالما لم تتحقق له في ظل الحياة العملية، والبعض الآخر استوحش الجلوس في البيت.  

غير أن شهر رمضان ظل على حاله وفيا للعهد، صادقا في القول، حاملا معه كل معاني الفرح وبشائر الفرج، أقبل يخبرنا:

– إذا ما أغلقت أبواب المساجد فأبواب الجنّة قد فتحت، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قالَ: “إذا جَاءَ رَمَضَانُ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجنَّةِ، وغُلِّقَت أَبْوَابُ النَّارِ، وصُفِّدتِ الشياطِينُ” متفقٌ عَلَيْهِ [1].

– وإن فُقدت مجالسة الأهل والأصدقاء، فلهم الفضل في مجالسة الآباء والأبناء. وإن كان من استوحش الجلوس في البيت، فإن ذكر الله يرفعهم للأنس برب الناس جل جلاله. فقد روى البيهَقِيّ فِي بَاب الذّكر فِي شعب الإيمان من جهَة الْحسين ابْن حَفْص عَن سُفْيَان عَن عَطاء بن أبي مَروَان أنه قال: حَدثنِي أبي بن كَعْب قَالَ: “قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: يَا رب أقريب أنت فأناجيك أوْ بعيد فأناديك، فَقيل لَهُ يَا مُوسَى أنا جليس من يذكرنِي”. وروى فِي مَوضِع آخر بِسَنَدِهِ إلى أبي أسامة أنه قَالَ: “قلت لمُحَمد بن النَّضر: أما تستوحش من طول الْجُلُوس فِي الْبَيْت؟ فَقَالَ: مَا لي أستوحش وَهُوَ يَقُول: أنا جليس من ذَكرنِي” [2].

– وإن وجلت القلوب واضطربت النفوس من حدوث المحن والأتعاب، فإن شهر رمضان هو  شهر ترفع فيه المؤونات ويفضي الناس إلى العزيز الرحمن، فقد روى أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “… يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة” [3]. والمؤونة في اللغة هي الأتعاب والمحن والمصاعب.

لم يأت شهر الرحمات إلاّ  لترفع البلوات، وتتحرر النفوس من المظلمات، ويعود الناس إلى رب الناس؛ بالأنين له بالشكوى، وإذراف الدّمع على الغفلة، والتوسل بجاه المصطفى صلى الله عليه وسلم في طلب الزلفى.

لم يأت شهر المكرمات إلاّ لتصحّ الأبدان “الصوم جُنَّة” [4]، وتُزكّى النفوس، وتتآلف القلوب وتحِنّ إلى الأصول. وتتذكر من في القبور، وترحم من معها في البيوت، وترأف الضعيف و تتفقد اليتيم.

لم يأت شهر رمضان إلاّ لتُصلَح الأحوال، ويعمّ الخير ولو في زمن الحجر، وتذهب الأسقام، وتتوال عطايا الرحمن.

لم يأت شهر البركات إلاّ ليذكر الإنسان بأنّ ما من ضيق إلا بعده فرج، وما من عسر إلاّ يليه اليسر.    


الهوامش:

(1) رواه  مسلم في الصحيح.

(2) الزركشي الشافعي أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر، اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، ج1، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة الأولى، 1406 هـ – 1986م، ص203.

(3) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: “أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطهن أمة من الأمم قبلها؛ خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزيّن الله كل يوم جنته، ويقول يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى ويصيروا إليك، وتُصفّد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، ويغفر لهم في آخر ليلة” قيل: يا رسول الله، أهي ليلة القدر؟ قال: “لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله” أخرجه أحمد في المسند (2/292).

(4) الصوم جنة بمعنى وقاية، كما جاء في الحديث عن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: “إِن ربكُم يَقُول: كل حَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا إِلَى سَبْعمِائة ضعف، وَالصَّوْم لي وَأَنا أجزي بِهِ، وَالصَّوْم جُنَّة من النَّار، ولخلوف فَم الصَّائِم أطيب عِنْد الله من ريح الْمسك، وَإِن جهل على أحدكُم جَاهِل وَهُوَ صَائِم فَلْيقل: إِنِّي صَائِم”. رواه التِّرْمِذِي.