لقد خيمت أحداث المسجد الأقصى المبارك والقدس الشريف، على أجواء صيام الشعب المغربي وعلى أيامه الرمضانية، فأصبح يستحضر بيت المقدس في كل أحواله، في أفراحه وأقراحه وفي عباداته وعاداته. ويمكن رصد ذلك في المظاهر التالية:
اولا: التظاهرات الاحتجاجية
إن الاعتداء على المسجد الأقصى وعماره ومعتكفيه من قبل الكيان الصهيوني، أخرج الشعب المغربي في أكثر من مدينة وفي أكثر من تظاهرة أغلبها تنظم بعد صلاة التراويح أو صلاة الجمعة، تعبيرا منه عن ارتباط بيوت الله ببيت المقدس، وأن من تمام إسلامه وهو صائم وقائم، الدفاع عن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، التي فرط فيها المطبعون الذين انخرطوا في “الدين الإبراهيمي” الذي من أكبر تجلياته هو اقتسام المسجد الأقصى مع اليهود الصهاينة زمانا ومكانا، وهذا ما يفسر سكوتهم عن الاقتحامات، بل انخراط الأوقاف الأردنية في منع الاعتكاف إلا في العشر الأواخر من رمضان وليالي الجمعة والسبت وهي الأيام التي لا تنظم فيها الاقتحامات.
وقد تجاوزت الوقفات الاحتجاجية أربعين تظاهرة، انطلقت منذ يوم الأربعاء إلى يوم الأحد، استجابة لنداء الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة، وقد شملت ما يقرب من 30 مدينة.
هذه الوقفات تنضاف إلى وقفات ذكرى يوم الأرض التي دعت لها الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع في ساحات وميادين متعدد شهدتها 34 مدينة مغربية.
كما نظم الاتحاد الوطني لطلبة المغرب عددا من التظاهرات بالجامعات المغربية، بمناسبة ذكرى يوم الأرض، تعرض بعضها للمنع خاصة في جامعة ابن طفيل بمدينة القنيطرة، حيث أغلقت على إثرها كل كليات الجامعة، بقرار انفرادي يتماهى مع الأجندة الصهيونية وفي معزل عن المجالس التقريرية.
ومن الملفت للانتباه حتى التظاهرات الاحتجاجية ضد غلاء الأسعار وسوء المعيشة، تجد القضية الفلسطينية حاضرة فيها بأعلامها المرفرفة فوق رؤوس المحتجين.
ثانيا: الإفطار المقدسي
انخرطت هذه السنة العديد من الأسر المغربية في حملة “أنا مغربي إفطاري مقدسي” التي أطلقتها الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة، والتي اكتسحت مواقع التواصل الاجتماعي.
إن في استحضار القضية الفلسطينية على موائد الإفطار للأسر المغربية دلالة كبرى على عمق الارتباط وقوة التهمم. وإن الإفطار المقدسي يستحضر القضية على ثلاثة مستويات.
1- الدعاء لفلسطين
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة»، فتخصص الأسر المغربية عند إفطارها المقدسي هذه الدعوة لأهل بيت المقدس ومقاومته ومرابطيه، فتدعو بالقبول للشهداء والشفاء للجرحى والفرج القريب للأسرى، كما تدعو بالنصر والتحرير للقدس وكل فلسطين. وإن جبهة الدعاء جبهة لا تعلوها جبهة في النصرة لإخواننا الفلسطينيين، فإن كانت حشودهم كبيرة وعتادهم كبير فالله جل وعلا أكبر.
2- الأطباق الفلسطينية
تحرص الأسر المغربية في هذه الحملة على التعرف على الأطباق الفلسطينية، وتحضرها الأمهات لأفراد العائلة وفي مقدمتهم الأطفال، الذين يفرحون بها وبالأجواء التي تحيط بها. فتتحقق معرفتهم بفلسطين وتنغرس محبتها في قلوبهم، فيأكلون مما يأكل الفلسطينيون ويشربون مما يشربون. وأحيانا يشارك الأطفال في إعدادها. ولقد كان لبرنامج ماستر شاف للأكلات الفلسطينية، وهو أول برنامج ومسابقة من هذا النوع، ساهمت الهيئة في إنتاجه، دور في تعريف الأطفال بالطبخ الفلسطيني والتعرف على المدن الفلسطينية وأطباقها المميزة، والذي ينصح بمشاهدته بالنسبة للأطفال.
3- المظاهر والرموز الفلسطينية
كثيرة هي موائد الإفطار المقدسي، لهذه السنة، التي تجمع حولها أفراد العائلة أو الأصدقاء، فتزينت بالأعلام الفلسطينية واللباس الفلسطيني من شالات وكوفيات، كما حرصت كثير من النساء المغربيات على ارتداء الزي الفلسطيني وهن حول مائدة الإفطار، يسمعن أغاني وأهازيج فلسطينية. بل حتى الوجبات تزينت بألوان العلم الفلسطيني. في إصرار من المغاربة على ظهور القضية في كل شيء، وكأنهم يريدون كل شيء أن يتكلم فلسطينيا.
4- إعلان ونشر الإفطار
لم تكتف الأسر المغربية بالاستجابة للحملة بل تعدتها إلى السعي لاشتراك فرحتهم وموائدهم مع عموم المغاربة بتنظيم إفطارات مقدسية في الشوارع والأزقة والمنتزهات وفي البحر، في مظاهر جميلة ومؤثرة تظهر حبهم وفرحهم، بل ومشاركة كل ذلك مع الشعب الفلسطيني من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، التي غزتها صور وفيديوهات الإفطار المقدسي كرسائل للشعب الفلسطيني أننا معك في أفراحنا وأقراحنا، أخرج الإمام مسلم من حديث أبى هريرة ــ رضى الله عنه ــ أنَ النبى صلى الله عليه وسلم قال: للصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه. وفرحة الإفطار تكتمل بذكر الأحبة أهل فلسطين المقاومين والصامدين والمرابطين، وذكر أرضهم أرض البركة والمسجد الأقصى.
ثالثا: المباريات الكروية
كانت القضية الفلسطينية حاضرة بقوة حتى في المباريات الكروية لهذا الشهر حيث رفعت الجماهير لافتات وشعارات مناصرة لها، فجماهير المغرب التطواني حملت لافتة كبيرة كتب فيها: “مهما اشتد ظلام الاحتلال، تحرير القدس قادم لا محال “ورددوا شعارات بالروح بالدم نفديك يا غزة… وجمهور خريبكة في مباراته مع نهضة بركان حمل لافتة كتب عليها “في شهرك العظيم نسألك يا الله النصر لفلسطين”.
أما الاتحاد الوطني لطلبة المغرب فرع جامعة المولى إسماعيل بمكناس فنظم دوريا لكرة القدم سماه دوري الشيخ الشهيد أحمد ياسين تحث شعار: “جيل جديد، يجدد الأمل، يرفع التحدي”. كما نظمت الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع دوري فلسطين لكرة القدم، منعته السلطات المغربية وهددت أصحاب الملاعب من فتح أبوابهم لهذا الدوري، وقد لقي هذا السلوك غضبا واستنكارا من أوساط مختلفة. وأصدرت الجبهة بيانا يدين هذا المنع.
رابعا: المهرجانات والندوات
وقد تخللت أيام رمضان ولياليه محاضرات وندوات ومهرجانات من أجل دعم فلسطين ومناهضة التطبيع، ومن أهم الأنشطة مهرجان بتنسيق بين مجموعة العمل ونقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل حضره عن العدل والإحسان الكاتب العام للشبيبة، ومهرجان بتشارك بين الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة والاتحاد الوطني لطلبة المغرب وشبيبة العدل والاحسان، وندوتان للجبهة المغربية في كل من المحمدية وسطات، ومحاضرة الدكتور أحمد ويحمان بجامعة ابن طفيل منعت، كما منعت الوقفات التي دعى لها مكتب فرع أوطم بالجامعة.
إنه رمضان مغربي بطعم مقدسي تعبيرا من شعب المغرب الأقصى إلى شعب المسجد الأقصى أننا معك في التظاهرات والاحتجاجات ومعك في المهرجانات والندوات، ومعك في إفطارنا وصومنا، وفي عباداتنا وعاداتنا، وسنكون معك حتى في عيدنا بحمل الشال والكوفية الفلسطينية.