الزكاة عبادة مالية
الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، بها يكمل إيمان الإنسان، ومعناها التعبد لله في دفع مال مخصوص، من أموال مخصوصة، يدفع لطائفة مخصوصة، وهي مشتملة على حق الله وحق العباد، شرعت في عمومها لتحقيق مصالح تعود على الآخذ والمعطي على حد سواء.
الغني المعطي يستمطر بها رضا الله عز وجل، وصلوات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقي بها نفسه من الشح والحرص، ويبرهن بها على أن دنياه قنطرة لآخرته، فالصدقة برهان الصدق في طلب ما عند الله. والفقير الآخذ يسد بها حاجته فتطهر نفسه من الحقد الطبقي.
فللزكاة وظيفتان؛ الأولى عبادية، القصد منها التطهر والتزكية، والثانية اجتماعية عمرانية. هي مظهر من مظاهر التضامن والتكافل الأخوي داخل المجتمع المسلم، حيث ينتقل من الأنانية الفردية إلى المصلحة الجماعية.
الزكاة عماد من أعمدة القسمة الإلهية العادلة
من منن الله على عباده أن شرع لهم الزكاة عبادة يتقرب بها إليه، تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء تحقيقا للعدل الذي هو صلب الدين، وأم المصالح التي يقصد إليها الشرع في توزيع الثروات وقسمة الأرزاق. ولئن أصبح أمر الزكوات العامة موكولا بذمة الناس لا رادع لهم ولا زاجر، وامتنع عنها الكثير من الأغنياء إلا من رحم ربي، فلم يكن الأمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك، بل كان للزكاة عاملين عليها يحققون أمر الله في قوله سبحانه: خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم.
إلا أن لزكاة الفطر خصوصية تتجلى في قيمتها عند المسلمين، حيث نجدهم يتهافتون على أدائها، ويتنافسون في إخراجها طمعا في الأجر، وتزكية للنفس، وتطهيرا للأموال، يتساوى في ذلك الغني والفقير.
للفقراء نصيب من الأجر
حكمة الله وعدله أنه لم يترك أمر التضامن والتكافل لعواطف التراحم والتواد والتعاطف بصفة مطلقة، بل فرض حدا أدنى من التضامن، وجعل الصدقة التي تزكي أصحابها مشروطة بشروط ومقننة بقوانين كبلوغ النصاب ومرور الحول…
إلا أن هذه الشروط لا تتوفر عند العامة من الناس، لذلك نجد الشرع الحكيم العادل الرحيم لم يترك أمر التزكية والتطهير مقتصرا على أهل الدثور يذهبون بالأجور، بل شرع زكاة الفطر، وجعلها فرضا واجبا في حق كل مسلم، لا فرق بين حر أو عبد، ولا بين ذكر أو أنثى، ولا بين صغير أو كبير، ولا بين حاضر أو مسافر. بل لا فرق بين غني أو فقير، وذلك تطهيرا لهم من اللغو والرفث الذي قد يحصل منهم في رمضان، عن ابن عباس قال: (فرض رسول الله زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين) (رواه أبو داود وابن ماجة).
حد الغنى الموجب للزكاة
إذا كان حد الغنى في الزكوات العامة هو ملك النصاب، فإن الأمر أيسر في زكاة الفطر، إذ كل من كان له فضل عن قوته وقوت من هم تحت ولايته ومئونته وجبت عليه. وذلك تعويدا له على العطاء حتى يخرج من زمرة البخلاء ويدخل في زمرة الكرماء، ولكي تتضاعف حسناته، ويتعرض لرحمة الله، لأن الله إنما يرحم من عباده الرحماء، وكذا لكي لا يحرموا متعة النفس وانشراح الصدر عند العطاء والبذل.
والذين في أموالهم حق معلوم
الحق المعلوم المفروض في زكاة الفطر حدده رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصاع عن كل شخص، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير…) (أي حفنات)، أي ما يعادل 2400 غراما تقريبا.
مصاريف زكاة الفطر
المستحقون لزكاة الفطر هم المستحقون للزكوات العامة، غير أن الفقراء والمساكين أولى بها من الأصناف الأخرى لقوله صلى الله عليه وسلم: “اغنوهم عن السؤال في هذا اليوم”، فلا دفع لغير الفقراء إلا عند انعدامهم أو خفة فقرهم، أو اشتداد حاجة غيرهم من ذوي السهام. والفقير هو الذي لا يملك سوى قوت يومه أو أدنى، فما زاد على قوته وقوت من يعولهم إذا بلغ الصاع وجبت فيه الزكاة، ويندب إخراجها لمن زال فقره يوم العيد، ولا تجب عليه.
اغنوهم عن السؤال
إن المقصود الأساسي من هذه العبادة المالية هو إغناء الفقراء في يوم العيد، ومن ثم فأي وسيلة يتحقق بها الإغناء فهي جائزة شرعا. سواء أكانت عينا أو نقدا، فما كان أفضل للفقير، وأيسر على المزكي فهو المطلوب شرعا. متى تحقق الإغناء كان ذلك هو الأولى، وليس المقصود من تحديد رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر في القمح والشعير، والتمر والزبيب، عين هذه الأنواع، إنما هذا الذي كان غالبا ومشهورا في زمنه صلى الله عليه وسلم وبلده، أما النقود فلم تكن إلا بيد فئة قليلة من الناس. أما وقد أصبحت المبادلات التجارية تعتمد على النقد بالأساس فإن إخراج الزكاة منها يكون أكثر تحقيقا لحاجات الفقراء المختلفة مأكلا ومشربا وملبسا. وعلى العموم فإن مقدار زكاة الفطر يدخل في باب التخيير على حسب مصالح المستحقين لها.
زكاة لا صدقة
يحرص المؤمن على أن يأخذ أجره تاما كاملا ليلة الجائزة الكبرى، فيسرع ويبادر بإخراج الزكاة في موعدها يوم العيد بعد طلوع الفجر، قبل الصلاة وهذا أحسن أوقاتها، فإن أخرجها قبل العيد بيوم أو يومين أجزأه ذلك، أما من فوت وقتها وأخرها إلى الغروب فاته أجر الزكاة ومنافع الزكاة… فقد جاء في حديث ابن عمر (… وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) (رواه البخاري ومسلم). وجاء في حديث ابن عباس: (… فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) (أخرجه أبو داود وابن ماجة).
تنبيهات
– تسقط زكاة الفطر عمن لا يملك قوت يومه.
– من فضل له عن قوت يومه شيء فأخرجه أجزأه.
– تلزم زكاة الفطر عن كل مسلم تلزمه نفقته بقرابة أو زوجية أو خدمة: كالوالدين الفقيرين، والأولاد الذكور حتى يصيروا قادرين على الكسب، والإناث حتى يدخل بهن الأزواج، والزوجة وإن كانت غنية، وزوجة الأب إذا كان الأب فقيرا، وخادميهما.
تقبل الله منا ومنكم، وأعاد علينا العيد باليسر والبركة والنصر والحمد لله رب العالمين.