كان زلزال تركيا صدمة للأتراك وللإنسانية جمعاء، نظرا لعدد الضحايا المهول، ولما خلفه من دمار وخراب، لكن صدمة المغاربة كانت أكبر حين اكتشفوا الأعداد الكبيرة من المغاربة في تركيا؛ عائلات وأفرادا، وقد مات العديد منهم رحمهم الله جميعا، خاصة في صفوف النساء، وهو ما جعل قضية هجرة المغربيات وارتباطهن بأزواج أجانب تطفو على السطح، أهو هروب من الفقر بأي ثمن؟ أم بحث عن فرص حياة أفضل؟ أم هو سقوط في حبال الدعاية الإعلامية التي سوقتها المسلسلات التركية لحياة مثالية وعيش رومانسي، جعل معظم النساء يعتقدن أن الزواج الأجنبي سيوفر الحب والمودة المفقودة في بيئتهن الاجتماعية؟
كشف الزلزال، وقبله حكايات العديد من هؤلاء النساء، عن معاناة حقيقية تبدأ من وضعية قانونية ملتبسة وغامضة، مرورا بصعوبة اندماج اجتماعي لاختلاف العادات والتقاليد، وصولا إلى صدمة تبخر حلم وفرص جيدة في الحياة والرخاء والرفاه، بل والسقوط ضحية عصابات منظمة من التجار والوسطاء المتخصصين في الزواج العرفي الذي يتم في الغالب بالفاتحة في المسجد دون توثيق، أو ضحية شبكات وساطة في الدعارة والرذيلة والمتاجرة في البشر.
والمحصلة أن النساء تجدن أنفسهن في ظروف قاسية مع أطفال ومسؤوليات ضخمة، يعشن الهشاشة والإقصاء، وقد كشفت “لايفات” العديد منهن أنهن يعشن في بوادي تركيا بؤسا وحاجة وفقرا لا تختلف كثيرا عما يعرفنه في بوادي المغرب وقراه ومداشره.
وهنا يطرح أكثر من سؤال عمن يتحمل مسؤولية تفشي هذه الظاهرة؟ أهي مسؤولية دولة فشلت في حماية بناتها بتوفير تعليم وتكوين جيدين، وفرص شغل وسبل حياة كريمة؟ أم هي مسؤولية مجتمع لم يوفر لبناته، خاصة المطلقات والمراهقات، الدفء العاطفي والدعم النفسي؟ أم مسؤوليات مجتمع مدني وإعلام لم يقم بدوره في التوعية بالمخاطر، والتحصين ضد الإغراءات وفضح شبكات الوساطة المشبوهة؟ أم هي مسؤولية أسر -مفككة وهشة- أعماها الطمع والجشع والفقر فسلمت بناتها للمجهول؟
وأيا يكن السبب أو المسؤول، فلابد من اتخاذ إجراءات حاسمة وحازمة لحماية المغربيات وأبنائهن على كل المستويات والصعد، خاصة وأن وتيرة الزواج من الأجانب تعرف ازديادا مضطردا في المغرب، فتكفي الإشارة إلى إحصاءات المحكمة الابتدائية الاجتماعية في الدار البيضاء سنة 2020 التي سجلت الأرقام التالية، فعلى الرغم من تراجع الزواج خلال تلك الفترة – فترة كورونا – بنسبة 60 بالمائة، فالمقبلون على الزواج من فرنسا بلغ عددهم 137 حالة، متبوعا بأمريكا 36 حالة، وتركيا 32 حالة، وبريطانيا 27 حالة، ثم ألمانيا 22 حالة، وإيطاليا 19 حالة، وكندا 17 حالة، وإسبانيا 13 حالة، وهولندا 10 حالات، وعربيا تتصدر السعودية قائمة الترتيب بـ 44 حالة زواج مختلط، تليها مصر 15 حالة، والجزائر 14 حالة، وتونس 12 حالة، وقطر 11 حالة، فيما تراوحت حالات الزواج المختلط بين المغاربة ومواطني باقي دول العالم ما بين 1 إلى 7 حالات.
وكما لا يخفى؛ فالزواج المختلط يطرح العديد من الإشكالات القانونية والإدارية والاجتماعية، ورغم محاولات تحسين التشريعات والإجراءات الإدارية التي تتقدم ببطء، تظل الإشكالات الواقعية قائمة نظرا للصعوبات الاجتماعية والثقافية والدينية التي تمنع من الاندماج أو خاصة تلك التي تسجل عند وقوع النزاع أو حصول الطلاق، كالنفقة وتقسيم الممتلكات وحضانة الأطفال وصلة الرحم، فتكون ضحيته الأولى هي المرأة وأولادها من مواطنين أجانب، الذين يتأثر مسارهم الدراسي واستقرارهم الاجتماعي والنفسي سلبا.