منة من الله عظيمة أن شرع لعباده المؤمنين أياما يعيدون فيها معاني الفرح والسرور، ويسعدون فيها أنفسهم، ويجددون الصلة بأهليهم، ويدخلون على قلوبهم المسرة، ويجعلون آلام الحياة وهمومها وأحزانها وراء ظهورهم.
إنها أيام عيد الأضحى تطل ببشراها على محيا المسلمين في كل أقطار الدنيا، إنها أيام العيد الكبير، هو كبير حقا على كل من استقبله بالذكر وزينه بالتكبير ممتثلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: (زينوا أعيادكم بالتكبير) رواه الطبراني. والتكبير هو تسليم الكبر إلى الله تعالى لأنه ولي الكبر وأهله. فذكر الله أكبر اعتراف بالكبر لله، وتبرؤ من كبر النفس الذي يدعو المرء لمعصية الله، إذ الكبر أم المعاصي وأولها وجودا في الكون، والكبرياء رداء الله المبسوط في السماوات والأرض، فهو أعظم من كل عظيم، و أجل من كل جليل، ومن نازعه رداءه قسم ظهره، لذا يغدو المسلم في أيام العيد ويروح مكبرا لله تكبيرا على ما هداه من نعم، ووسع عليه في الرزق من مأكل ومشرب وملبس ولهو، فلا يكون في غفلة عن المنعم، ولا في فرحة تنسيه من بيده الفضل والعطاء والجود، لذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل) رواه مسلم في الصحيح.
والعيد شعيرة من شعائر الإسلام، ومظهر من مظاهر الإيمان نكبر فيه الله على ما أنعم علينا من بهيمة الأنعام، إذ مشاهدة النعمة نور يوجب يقظة القلب وتنبهه إلى المنعم.
العيد محطات نورانية شاملة:
فهو محطة فرح،
وتمتع إذ التجمل والتزين ولبس أحسن اللباس والتطيب فيه سنة مرغوبة، قال أنس أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العيدين أن نلبس أجود ما نجد، وأن نتطيب بأجود ما نجد وأن نضحي بأثمن ما نجد) رواه أبو داود وغيره، واللهو المباح الخفيف الذي لا يتنافى مع ذكر الله سنة، وذبح الأضحية وحضورها ومشاهدتها سنة، قال صلى الله عليه وسلم مخاطبا ابنته أمه ( يا فاطمة قومي إلى أضحيتك فاشهديها، فإن لك بأول قطرة تقطر من دمها أن يغفر لك ما سلف من ذنوبك) وأي فرحة من أن يغفر الله للمرء سابق ذنوبه بمجرد نظرة إلى كبش يذبح، وليس ذلك على الله بعزيز.
وهو محطة ذكر لله،
إذ ما يسمع المؤمنون أنه ما من عمل صالح أحب إلى الله من العمل في هذه الأيام حتى يسارعوا برفع أصواتهم بالتكبير والتهليل والتحميد في المساجد والأسواق وداخل بيوتهم مظهرين اعتزازهم بدينهم الذي جعل الفرح من أسباب التقرب إلى الله. كما يسارعون للتعرض لنفحات الليل الربانية طمعا في حياة القلوب الدائمة. عن أبي أمامة رضي الله عليه وسلم قال:( من قام ليلتي العيدين محتسبا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب) رواه ابن ماجة.
والعيد محطة نزهة عائلية،
إذ تخرج الأسرة بكل أفرادها نساء ورجالا وأطفالا، الكل يخرج ليحتفل بموسم الخير في المصليات، يخرجون في أبهى حللهم يعتزون بوحدتهم وتضامنهم وميثاقهم، فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج لصلاة العيد حتى النساء الحيض والعواتق وذوات الخدور قالت أم عطية: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب(فلا تستطيع الخروج) قال صلى الله عليه وسلم: ( لتلبسها أختها من جلبابها)رواه الشيخين أي لتعطيها أختها جلبابها لتخرج به إلى الصلاة .
وهو محطة صلة للرحم البشرية،
والإيمانية إذ يكون الجو مناسبا( لتسري في جماعة المسلمين معاني الإيمان، وتثبت فيها خطى السير إلى الله، بمشهد إخوته السائرين معه على الطريق، المحتفلين معه بالله ورسوله) المنهاج النبوي للأستاذ عبد السلام ياسين ص283 فيتبادلون التهاني و يسألون الله القبول منهم، والاجتماع بهم في الآخرة يوم يكون الأولياء بعضهم لبعض عدو إلا المتقين.
وهو محطة توبة،
إذ أن ذلك التجمع المهيب للمؤمنين يغشاه نور يجلب إليه كل من وصل إليه شعاعه، وتنزل عليه رحمة يرحم الله بها قلوبا على فطرة، أولئك هم القوم الذين لا يشقى جليسهم( فكم من ناشئ وكهل، رجل وامرأة، يكون حضوره لصلاة العيد نقطة تحول في حياته، تحول من عدم مبالاة إلى طرح ضرورة الاختيار. من غفلة لذكر، من ضياع لهدى) المنهاج النبوي لعبد السلام ياسين ص 282.
هكذا يحط المسلم رحاله في هذه المحطة ليزود قافلة حياته بخير الزاد وأدومه وأنفعه في الدنيا والآخرة.
اللهم تقبل منا ومن جميع المسلمين وأعاده الله علينا بالخير واليسر والنصر.