سؤال التمحيص في رحلة الإسراء والمعراج وغزوة تبوك

Cover Image for سؤال التمحيص في رحلة الإسراء والمعراج وغزوة تبوك
نشر بتاريخ

بعيدا عن السياق، حيث جاءت رحلة الإسراء والمعراج تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد عناء سنة الحزن وتصاعد عنت قريش وتضييقها على الدعوة، في حين جاءت غزوة تبوك لتتوج سجل الغزوات تدشينا لمرحلة يعانق فيها الإسلام العالمية؛ فإن رحلة الإسراء والمعراج أسست لمرحلة بناء المشروع الإسلامي وهيأت شروط نجاح الهجرة من مكة إلى يثرب/المدينة المنورة، في حين شكلت غزوة تبوك تمرينا في أكثر من مجال لإعداد المسلمين لمرحلة الانتشار والإشعاع لما أبعد من شبه الجزيرة العربية.

وحيث إن الحدثين وقعا معا في شهر رجب، الأول قبل سنة من الهجرة، بعد انسداد أفق الدعوة في مكة، والثاني قبل سنة من التحاق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، بعد اكتمال دين الأمة واستواء المشروع الإسلامي واستقطابه للناس أفواجا، يبقى التمحيص للصف العنوان الأبرز للحدثين.

لقد شكلت رحلة الإسراء والمعراج امتحانا لقياس صدق إيمان الرعيل الأول من المسلمين، فلا عجب أن شكك البعض في وقوع الرحلة، وهو ما يمكن اعتباره مؤشرا على ضعف الإيمان، وبالتالي عدم الاستعداد لتضحية من عيار هجرة البلد والمال والولد، ناهيك عما قد يكتنف الهجرة من مخاطر تهدد سلامة الأرواح؛ استحقاق رفع فيه سيدنا أبو بكر رضي الله عنه سقف التحدي ولقب بالصديق.

لقد جاءت الرحلة لتقييم حصيلة التربية والتأهيل وقياس منسوب الاستعداد للبذل والتضحية.

وفي السياق التمحيصي ذاته جاءت غزوة تبوك/ العسرة لتقييم سنوات التربية الإيمانية؛ تقييم شكلت فيه مجموعة من العوامل مواد امتحانه: الوضعية الاقتصادية الحرجة للمسلمين، توقيت الغزوة، حيث الحر الشديد، تغلغل المنافقين في جسم الأمة واتخاذهم مسجد الضرار مقرا لبلورة مخططاتهم، ثم طبيعة الخصم/الروم باعتبارهم جيشا نظاميا عتيدا… فلا عجب أن يرسب في الاستحقاق ضعاف الإيمان/المتخلفون، وينفضح فيه المنافقون وهم أشد خطرا وتهديدا على المشروع من أي عدو خارجي مهما كان عددا وعتادا وحنكة وشراسة نزال.

تمحيص على أكثر من مستوى، ووعيا بخطورته فصل القرآن الكريم من خلال سورة براءة في بعض ملابساته، وتكلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بتنزيل أحكامها، رسما لمعالم معالجة ما يجد في مستقبل الأجيال اللاحقة من الأمة الإسلامية من صعاب وعقبات لتبليغ مشروع هداية الخلق إلى دين الله.