سراجا منيرا

Cover Image for سراجا منيرا
نشر بتاريخ

صلى الله على البشير النذير السراج المنير؛ بعثه الله خاتما للأنبياء والمرسلين هداية وإرشادا للثقلين ورحمة للعالمين، نور نور به العقول والقلوب والأبصار؛ شهد الله إنه نور قَدْ جَآءَكُم مِّنَ اَ۬للَّهِ نُورٞ وَكِتَٰبٞ مُّبِينٞ * يَهْدِے بِهِ اِ۬للَّهُ مَنِ اِ۪تَّبَعَ رِضْوَٰنَهُۥ سُبُلَ اَ۬لسَّلَٰمِۖ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ اَ۬لظُّلُمَٰتِ إِلَي اَ۬لنُّورِ بِإِذْنِهِۦۖ وَيَهْدِيهِمُۥٓ إِلَيٰ صِرَٰطٖ مُّسْتَقِيمٖۖ (المائدة، 17 – 18). وأكمل الله به الدين، قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (المائدة، 3).

قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا [الأحزاب، 46-45].

“{دَاعِيًا إِلَى اللَّهِ} أي: أرسله اللّه يدعو الخلق إلى ربهم، ويسوقهم لكرامته، ويأمرهم بعبادته التي خلقوا لها، وذلك يستلزم استقامته، على ما يدعو إليه..

{سِرَاجًا مُنِيرًا} وذلك يقتضي أن الخلق في ظلمة عظيمة، لا نور، يهتدى به في ظلماتها، ولا علم، يستدل به في جهالاتها حتى جاء اللّه بهذا النبي الكريم، فأضاء اللّه به تلك الظلمات، وعلم به من الجهالات، وهدى به ضُلَّالًا إلى الصراط المستقيم” (تفسير السعدي).

والسراج: المصباح الذي يستضاء به في الظلمات.

ويستفاد من الآية:

أي: وأرسلناك – أيها الرسول الكريم – بالدين الحق، لتكون كالسراج المنير الذي يهتدي به الضالون، ويخرجون بسببه من الظلمات إلى النور (التفسير الوسيط).

ووصف الله تعالى رسول الله ﷺ بالسراج المنير لأن من المصابيح ما لا يضيء إذا لم يوجد به ما يضيئه من زيت أو ما يشبهه.

قال صاحب الكشاف: جلى الله -تبارك وتعالى- بنبيه صلّى الله عليه وسلّم ظلمات الشرك، فاهتدى به الضالون، كما يجلى ظلام الليل بالسراج المنير ويهتدى به.

أو أمد الله بنور نبوته نور البصائر، كما يمد بنور السراج نور الأبصار. أي أرسلناك كالسراج المنير في الهداية الواضحة التي لا لبس فيها والتي لا تترك للباطل شبهة إلا فضحتها وأوقفت الناس على دخائلها، كما يضيء السراج الوقّاد ظلمة المكان (التحرير والتنوير).

محمد ﷺ نور العقول والقلوب

يقول الإمام علي عليه السلام: “فبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم وآله بالحق ليخرج عباده من عبادة الأوثان إلى عبادته، ومن طاعة الشيطان إلى طاعته” 1.

وقد وصف الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالسراج المنير لأنه نور به العقول وفتح به مغاليق القلوب.

كانت عرب الجاهلية تتخبط في ظلمات الشك والريبة والكفر، سبح فيها العقل المظلم في بحار الغي والهوى، مكبلة أفكاره بأغلال الاستعلاء والاستغناء. وسبح العقل المهتدي بنور الوحي مقتفيا خطاه صلى الله عليه وسلم خاضعا مستسلما.

وقد نقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري 10/384 عن القرطبي قوله: “إن أهل الجاهلية كانوا يعملون الأصنام من كل شيء حتى أن بعضهم عمل صنمه من عجوة ثم جاع فأكله“.

ووصف سيدنا علي رضي الله عنه المسلمين قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “إنَّ اللهَ سُبحانَه بَعَثَ مُحَمَّداً نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ، وَأَمِيناً عَلَى التَّنْزِيلِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ العَرَبِ عَلَى شَرِّ دِينٍ، وَفِي شَرِّ دَارٍ، مُنِيخُونَ بَيْنَ حِجارَةٍ خُشْنٍ وَحَيَّاتٍ صُمٍّ تشْرَبُونَ الكَدِرَ، وَتَأْكُلُونَ الجَشِبَ وَتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ، وَتَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ، الأصنام فِيكُمْ مَنْصُوبَةٌ، والآثام بِكُمْ مَعْصُوبَة“ 2.

وصل الوحي القرآن الكريم وسنة رسول الله ﷺ التي هي وحي ونور من الله عز وجل بواسطة الحبيب المحبوب، فكان هديه الشريف صلى الله عليه وسلم مشكاة ومنهاجا تحول به الصحابة من جفاة إلى رحماء أمناء. “فالنور النبوي الذي قبس منه الصحابة فوصلهم بنور القرآن وقربهم من الله جلت قدرته فأحبهم ونصرهم” 3.

جلال الوصف وجمال الموصوف

كما كان صلى الله عليه وسلم سراجا منيرا هدى الله به العباد من ظلمات الضلالة والكفر إلى نور الهدى والإيمان، فقد كان ﷺ منور الوجه في جماله وإشراقه ونوره وصفائه، كان مثل الشمس والقمر. قالت الربيع بنت معوذ رضي الله عنها: “لو رأيته رأيت الشمس طالعة”. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجري في وجهه” رواه الترمذي وصححه الألباني.

وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: “رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحيان (مضيئة مقمرة) وعليه حلة حمراء، فجعلت أنظر إليه وإلى القمر، فلهو عندي أحسن من القمر” رواه الترمذي.

وذكر ابن القيم في كتابه زاد المعاد وصف أم معبد لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين مر بخيمتها مهاجرا فقالت: “ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه”. الوضاءة: الحسن والنظافة والبهجة، أبلج الوجه: قال البغوي: “تريد مشرق الوجه مضيئه”.

وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا” رواه البخاري. وقال كعب بن مالك رضي الله عنه: “وكان إذا سر استنار وجهه، حتى كأنه قطعة قمر” رواه البخاري.

يصف ذلك ابن عباس كما جاء في كتاب الشفا بقوله: ”أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تكلم رئي كالنور يخرج من بين ثناياه”.

وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: “لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل (أسرع) الناس إليه، فجئت في الناس لأنظر إليه، فلما استبنت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب” رواه أحمد.

قال الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: “هذا النبي الخاتم العزيز على ربه هو القدوة الخالدة للبشرية، خاتم بالزمان وخاتم بالكمال. غشِيَتْ أعينٌ لا تستنير بنوره، وخابت وخسرت ذمم فَصَمَتْ ما بينها وبينه! قال الله في حقه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (الأحزاب، 46- 45)”.


[1] عبد السلام ياسين، القرآن والنبوة، ط 2018/2، دار لبنان للطباعة والنشر-بيروت، ص14.
[2] نهج البلاغة، الخطبة، ص26.
[3] القرآن والنبوة، م. س. ص62.