أهل الحديث والجالسين عند باب خدمة العلم الشريف؛ أولئك الذي ينافسون في تعلمهم وصبرهم ومصابرتهم ذكر الذاكرين ووله المتولهين، أصحاب القلم والقرطاس والتحقيق والحفظ المتين.. كيف يهدأ القلب بعد أن يطرب وهم يحفظون عن سلسلة نورانية متواصلة متواصية بالصدق.. حدّثنا فلان عن فلان عن الصحابي الجليل.. أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم”.. آه من غربة الحال، وطرب لذة الوصال بعد طول طلب..
“سمعت”.. أذن، وإذن، فأذان.. إذ كيف يصبر على وهج النور من لم يكن منورا! فالأضداد لا تتساكن. ثم كيف يكتم من علم يقينا أن النور ليس منه ولا إليه! بل خلق الله النور ليشع ويبلغ ما أراد سبحانه.
المبلِّغ الداعي؛ رؤيته بالصحب الخيار مذكّرة، والروح إليه منجذبة، فحين يحدث ويشرح ترى الدر واللؤلؤ ينساب بين الحروف ..
أستمر في قراءة الأحاديث، فأصل إلى الكلمات الآتية فيتوقف الزمن في محاولة لاستيعاب لحظة من لحظات النعيم؛ “يا رسول الله أَخبِرْني..” فيجيب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.. وأتخيل أني بينهما أسمع وأرى..
آه من حرقة البعد، وشوق للقرب، وشدة تعتصر القلب..
آه من جلسة تتنعم فيها الجوارح، وترتاح الروح بين يدي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم..
قلب وعى، وجسم جالس النور، وعين رأته، وأذن سمعته، ويد صافحته.. بأبي أنت وأمي سيدي يا رسول الله صلى الله عليك وسلم..
هل يحدث القلب عنك؟ ومن ذا يطاوعه قلبه أن يدعي؟ بل إنه في باب الدعاء مرابط، وللدخول إلى حضرة الصحبة راغب..
كم يبدو لي أني عشت ثمانين عاما أو يزيد.. كعمر الكهول. وهل المشتاق إلا متعب دنف، مجدد لأشواقه، مرقع لثوب إيمانه.. خرقة يسترنا الله بها، ثم يجدد الحال كأن لم يكن هنالك خرقة ولا أسمال..
رأسمال المحب نظرة، فدهشة، فضمة، فصحبة وجوار.. وإنها الليلة الغراء؛ تَسر المحبين ولا تغرهم، تُسر إليهم بحديث القلب فيبتسمون، فتبدو لي الليلة كأنها قطعة من زمن تبسمت فيه سيدتنا فاطمة الزهراء رضوان الله عليها حين أسر إليها صلى الله عليه وسلم بخبر لحاقها به أول اللاحقين..
وكم يسرنا خبر انضمامنا لعقد الواصلين الموصولين، فيهون بإذن الله ما كان يبدو قاسيا جدا، ومتعبا.. يظل في الفانية ذكرى قديمة، كقدم الذنوب التي يمحو الله أثرها من القلب.. تُطوى ولا تُروى ولا تُرى..
ومن تكن برسول اللهِ نصرتُه ** إن تلْقَهُ الأُسْدُ في آجامِها تَجِمِ
الليلة الزهراء زاخرة، هنا حضور الحبيب لازم.. هنا توقد وثبة عازم.. أن يبدأ من جديد.. جدد الله صلتنا به، وطهر قلوبنا من سواه، وشغلنا بما يزيدنا قربا منه سبحانه.
اللهم صل على سيدنا محمد النبي وأزواجه أمهات المومنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد.