سنن العيد

Cover Image for سنن العيد
نشر بتاريخ

بإشراقة يوم جديد معطرة بعبير  الورد والريحان، تستيقظ الأمة الإسلامية على يوم العيد، هذا الأخير الذي يتكرر مرة كل سنة هجرية، لكن عيدنا لهذا العام ليس كالأعوام الماضية، فقد فقدنا فيه من فقدنا، من كتب الله لهم أن يكونوا في الدار الآخرة، إما بسبب المرض أو انقضاء أجل مسمى، فاللهم ارحم من سبقونا إلى دار الخلد، واكتبهم مع الشهداء والصالحين، آمين.

ومن رحمة الله تعالى أن بلغنا يوم العيد لنحييه بالطاعة والامتثال لأمر الله سبحانه، والرجعة إليه بالتوبة النصوح، فلن يعد العيد عيدا إن لم نتّبع النبيّ الكريم ونقتدي بأخلاقه الفاضلة، وهذا يستدعي محبّة الله عز وجل، لقوله تعالى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (آل عمران، آية: 3).

ويعدّ حُبّه عليه الصلاة والسلام من أُصول الإيمان، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ) [1]. والفرح بالعيد، وإظهار الابتهاج فيه، وتطبيق سننه، وما ينبغي من آداب وذوق، مرغوب فيه مطلوب عند كل محب ومحبة لله تعالى ولرسوله الكريم.

ومن سنن العيد وآدابه:

التهنئة بالعيد

تختلف الوسائل وتتعدد لكن الهدف واحد لإيصال التهنئة بالعيد، فأول ما يصل المؤمنة رسالة يبارك فيها العيد، والفائزة منا من أسرعت ولبت واقتدت بسنة الحبيب المصطفى عليه السلام، وأفضل التهنئة لمن قطعك، ذلك أن أشد ما يخنس الشيطان في يوم العيد رؤيته للمؤمنين في تواد وفرح وطاعة لله تعالى.

والتهنئة بالعيد مشروعة عند جمهور الفقهاء، واستدلوا لجوازها بحديث محمد بن زياد، قال‏‏: كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا ‏رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنكم”. قال ابن عقيل الحنبلي قال ‏أحمد: إسناد حديث أبي أمامة إسناد جيد.

التجمل يوم العيد

لا خلاف أن التجمل في يوم العيد هو من السنن النبوية، لكن لن يكون التجمل حقيقيا إن لم يطابق الحال المقال، حرص المؤمنة على نقاء القلب من الشوائب، والابتعاد عن كل ما حرمه الله تعالى، وإبداء روح الإيمان بما يحمل من معنى المودة والتوقير لأختها والنظر إليها نظرة  التعظيم، وإهدائها هدية العيد كما تقرر ذلك من خلال السنة النبوية، هو لب الصواب ومنبع الخير بين المسلمين.

عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، رضي الله عنهما، قَالَ: “أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَخَذَهَا، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْتَعْ هَذِهِ، تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لا خَلاقَ لَهُ. فَلَبِثَ عُمَرُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ، فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ قُلْتَ إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لا خَلاقَ لَهُ، وَأَرْسَلْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ الْجُبَّةِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ” [2].

قال العلامة السندي في حاشية السندي على النسائي: منه عُلم أن التجمل يوم العيد كان عادة متقررة بينهم، ولم ينكرها النبي صلى الله عليه وسلم، فعُلم بقاؤها.

الاغتسال قبل الخروج إلى المصلى

ولأن ديننا دين النظافة والجمال فقد جعلهما الله تعالى جزءا من عقيدة كل مؤمن ومؤمنة ارتضت لنفسها هذا الدين. والاغتسال ليلة العيد هو بمثابة تكفير لما سبق من معاصي، وإطفاء للغضب، وبداية جديدة لروح نقية طاهرة تقية، تواقة إلى الله بما يرضي الله سبحانه.

عَنْ نَافِعٍ: “أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُو إلى المصلى” [3].

تحريم صيام يومي الفطر والأضحى

يوم العيد هو يوم أكل وشرب وفرح بنعم الله، ولا نخالف السنة النبوية بغير ذلك. فعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: “لا صَوْمَ فِي يَوْمَيْنِ: الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى” [4].

تأخير الأكل إلى ما بعد صلاة الأضحى

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: “كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وَلا يَطْعَمُ يَوْمَ الْأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ” [5].

صلاة العيد في المصلى بالخلاء، والمشي إليه مع مخالفة الطريق في الذهاب والإياب

شاءت الأقدار لهذه السنة أن تؤدى صلاة العيد في البيوت مع الأسر والأبناء، فلنغتنم وقتها، وليحافظ كل منا على أدائها في وقتها، ويستشعر روحانيتها، مع حرص المؤمنة على أدائها.

فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَاْلأَضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ، فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا، قَطَعَهُ، أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ، أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ” [6].

وعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، رضي الله عنها، قَالَتْ: “أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى: الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ. فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاةَ وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِحْدَانَا لا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ. قَالَ: لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا” [7]

التكبير

ذكر الله واجب في كل وقت وحين ما استوفت المؤمنة شروط الذكر، فبذكر الله تطمئن القلوب، والأحرى أن تطمئن في هذا الشهر الكريم وخاصة في يوم العيد. فقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما، قوله: “الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر وأجل، الله أكبر على ما هدانا” [8].

 تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وجعلها فرصة لتجديد الصلة بيننا وبين سنن رسولنا الكريم آمين.


[1] رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 15، صحيح.

[2] صحيح البخاري، 1197.

[3] موطأ مالك، 384. 

[4] اللؤلؤ والمرجان، 511.

[5] صحيح الترمذي، 542.

[6] اللؤلؤ والمرجان، 510.

[7] صحيح مسلم، 883.

[8] السنن الكبرى للبيهقي، كتاب صلاة العيدين. قال الألباني في إرواء الغليل (3/125): وسنده صحيح.