سيدتنا فاطمة الزهراء رضي الله عنها: علاقتها بأبيها ﷺ

Cover Image for سيدتنا فاطمة الزهراء رضي الله عنها: علاقتها بأبيها ﷺ
نشر بتاريخ

مقدمة

نروم من حديثنا عن قرة عين رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدتنا فاطمة الزهراء أن:

– نطلع على مواقف من سيرتها وعلاقتها بأبيها صلى الله عليه وسلم.

– نحيي الصلة معها؛ حبا فيها وفي آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فـ“المرء مع من أحب”، وتأسيا بها “المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل”، وطمعا في المولى عز وجل أن يجمعنا بها في جنان الخلد.

– نستخلص العبر وننظر إلى واقع الحال، ونضع علاقتنا ببناتنا وأبنائنا وآبائنا في الميزان.

– نصوب ونصحح المسار، كي ندرك فلاح الدنيا والآخرة.

تقديم الشخصية

فمن تكون سيدتنا فاطمة الزهراء رضي الله عنها؟

هي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمنا خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وزوج سيدنا علي كرم الله وجهه، وأم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.

هي رابعة اﻷخوات بعد زينب الكبرى ورقية وأم كلثوم.

منزلة سيدتنا فاطمة الزهراء

هي خير نساء العالَمين كما ورد في حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: “حسْبُكَ من نساءِ العالمينَ مَرْيَمُ ابنةُ عِمْرانَ وخديجةُ بنتُ خُوَيْلِدٍ وفاطمةُ بنتُ مُحَمَّدٍ وآسِيَةُ امرأةُ فِرْعَوْنَ” (تفرد به الترمذي وصححه).

وهي رضي الله عنها سيّدة نساء أهل الجنة، جاء بالبشرى مبعوث خاصّ لتسمعَ المرأة الخاصة قول النبي صلى الله عليه وسلم: «هذا ملَك نزل من السماء، لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة. استأذن ربه أن يُسلم علَيّ ويبَشرَني أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» (أخْرجه الترمذي عن حذيفة رضي الله عنه).

صفات سيدتنا فاطمة الزهراء

من صفاتها رضي الله تعالى عنها أنها كانت شبيهة أبيها في الخلقة والخلق، كما أخبرت بذلك عائشة رضي الله عنها، فقالت: “ما رأَيْتُ أحدًا كان أشبهَ سمتًا وهَدْيًا ودَلًّا، والهدى والدال، برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم من فاطمةَ كرَّمَ اللهُ وجَهْهَا؛ كانت إذا دخَلَتْ عليه قام إليها، فأخَذَ بيدِها وقبَّلَها وأَجْلَسَها في مجلسِه، وكان إذا دخَلَ عليها قامت إليه، فأَخَذَتْ بيدِه فقَبَّلَتْه وأَجلَسَتْه في مجلسِها” (رواه الألباني في صحيح أبي داود)، ويُراد بالسَّمت: الخشوع والتواضع، أمّا الهدي فهو الوقار والسكينة، والدَلّ حُسن الخُلق وطِيب الكلام.

وكانت من أكثر الناس صبراً، على الرغم من عِظَم المصائب التي مرّت بها في حياتها، ومن ذلك:

· وفاة أمّها عندما كانت صغيرةً، وذلك في مكّة المُكرَّمة قبل الهجرة إلى المدينة.

· فَقْدها لأخواتها: رقيّة، فأمّ كلثوم، فزينب.

· وفاة أبيها محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم.

وهي رابعة النساء الكاملات، اللائي جاء في حقهن الحديث الذي رواه الإمام الطبراني رحمه الله: « كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية زوجة فرعون ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد».

فهي الكاملة بنت الكاملة. يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله في كتاب تنوير المومنات: “كذلك المومنة، عاشت في كنف صالحين، في زمن صالح، أو نشأت في عصر سادت دنياه حضارة مجرمة، لا يرفعها ولا يحطها إلا عملها” (ص 289). 

نموذج آسية زوجة فرعون المبشرة مع اﻷربع الكاملات يجيب كل من تدعي أن بلوغ الكمال رهين بميراث أو منبت صالح، ولكن الأمر عمل متواصل وجهاد واجتهاد، وإرادة قوية، وطرق متواصل لباب الله المتفضل على عباده كرما ومنة.

جمعت الزهراء رضي الله عنها طيب النسب وفضله، وفضل الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعه، فنالت الكمالات رضي الله تعالى عنها.

علاقتها بأبيها

1 ـ حب ودفاع وخدمة

عاشت الزهراء اضطهاد قريش لأبيها صلى الله عليه وسلم بمكة، فكانت تخرج وهي صغيرة من البيت لتتبع أباها حين يسعى كل يوم إلى أندية قريش مبشرا بدعوته، فتتألم لما يناله من مكرهم، وتلقى عنه كل ما يصيبه من أذاهم، وتحميه وتدافع عنه أمام صناديد قريش؛ كان يصلي يوما بالكعبة فذهب أحدهم وألقى عليه الأزبال وهو ساجد، فما كان من الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن ظل ساجدا لله تعالى حتى جاءت رضي الله عنها وأزالت عنه الأذى.

وبعد موت أمها ضاعفت رضي الله عنها الجهد وتحملت كل تلك المسؤوليات حتى تعوضه عن الزوجة، كانت السيدة فاطمة من أحبّ بنات النبي صلّى الله عليه وسلّم إليه، وأكثرهنّ اهتماماً به، ورعاية له، إلى الحدّ الذي جعله يُلقّبها ويناديها بأمِّ أبيها؛ وذلك لما كان صلّى الله عليه وسلّم يرى من شدّة عطفها، وحنانها عليه، وحبّها له.

ويوم أحد حين جرح عليه الصلاة والسلام في وجهه وأصابه كسر، قامت فاطمة تغسل عنه الدم، فلما رأت كثرة تدفقه أخذت حصيرا فأحرقته حتى صار رمادا، ثم ألزقته، فاستمسك الدم.

2 ـ صدق وبوح ومكاشفة

كانت رضي الله عنها تلجأ وتدق باب اﻷب الرحيم كلما اعترضها مشكل، وتبوح له بشكواها، وتكشف له عما يضيرها.

علاقة الأب ببنته

1 ـ إبداء المحبّة والتعبير عن ذلك بالسؤال والتفقد

أحبّ النّبي الكريم ابنته فاطمة رضي الله عنها حباً شديداً، فإذا غاب في بعض أسفاره كانت أوّل من يودعها، وإذا رجع كانت أوّل من يلتقيها ليسلّم عليها.

2 ـ إبداء عبارات الحب والمدح

أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدت له أحب الناس إليه وأكرمهن عليه؛ يغضب لغضبها ويخصها بالترحيب ويضمها ويقبلها ويقول: « فاطمة بضعة مني – أي قطعة مني – فمن أغضبها  أغضبني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها » (أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي).

3 ـ الرعاية والاحتضان والدعاء لها ولذريتها

كان يجمع صلى الله عليه وسلم الأسرة الصغيرة المكونة من البضعة النبوية وزوجها سيدنا علي كرم الله وجهه وابنيها الحسن والحسين ويدعو لهم. روى الإمام الترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها، حين نزلت الآية التي يقول فيها الله تعالى: فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ، أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة رداء وقال: “اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا”.

4 ـ الحرص على آخرتها وأن تكون أمة لله صالحة

لما اشتكت رضي الله عنها إلى أبيها سوء الحال علّمها أن تُزين عملها  بالتسبيح والتكبير، فعن علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه أن فاطمة عليها السلام أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى من الرحى، قالت: “لقد مجلت يداي من الرحى أطحن مرة وأعجن مرة، وبلغها أنه جاءه رقيق – أي عبيد خدَم -، فلم تصادفه، فذكرت ذلك لعائشة، فلما جاء أخبرته عائشة، قال علي: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال: “على مكانكما” فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني، فقال: “ألا أدلكما على خير مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما أو أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم” (رواه البخاري ومسلم).

5 ـ صبر وبشارة.. علاقة ممتدة إلى الآخرة

مرض الرسول صلى الله عليه وسلم مرضه الأخير وكانت ابنته فاطمة تعوده كل يوم في بيت السيدة عائشة رضي الله عنها فكان يقوم إليها رغم المرض ويقبلها، وحينما اشتد عليه المرض ورأى ما بفاطمة من جزع زف إليها بشرى تهون عليها المصاب الجلل، ولنترك أم المؤمنين عائشة تحدثنا عن ذلك: “أقبلت فاطمة تمشي -وكان مشيها مشي رسول الله- فقال: مرحبا بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه ثم أسر إليها حديثا فبكت، ثم أسر إليها حديثا فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم أقرب فرحا من حزن وسألتها عما قاله، فقالت: ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره، فلما قبض سألتها فأخبرتني أنه قال: أن جبريل كان يعارضني القرآن في كل سنة مرة وأنه عارضني هذا العام مرتين وما أراه إلا قد حضر أجلي، وأنك أول أهل بيتي لحوقا بي ونعم السلف أنا لك فبكيت، فقال: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين؟ فضحكت” (رواه البخاري ومسلم).

رأت فاطمة الزهراء رضي الله عنها كرب رسول الله الشديد حيث كان يغشى عليه من حمى المرض ثم يفيق، كانت فاطمة ترقب كل ذلك في أسى وحزن وهي جالسة بين يديه صلى الله عليه وسلم حتى صاحت قائلة: “واكرب أبتاه” فيرد عليها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قائلا: “لا كرب على أبيك بعد اليوم” (رواه البخاري).

6 ـ تعليم وتثبيت

ولما حضرت رسول الله الوفاة بكت فاطمة حتى سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوتها فقال لها: “لا تبكي يا بنية قولي إذا مت: إنا لله وإنا إليه راجعون، فإن لكل إنسان بها من كل مصيبة عوضا” قالت فاطمة: ومنك يا رسول الله؟ قال: ومني”.

دروس وعبر

· التماس القرب من الله تعالى وطلب الكمال ما هو تواكل ودعة على نسب أو حسب أو قرابة، بل عمل متواصل، واجتهاد، وإرادة قوية، وطرق متواصل لباب المنعم المتفضل.

· البر بالوالدين من أعظم أسباب بلوغ الكمال.

· أهمية الدعاء للأبناء وتحصينهم والحرص على آخرتهم فضلا عن الرعاية المادية، فسيدنا رسول الله كان يحرص على تحصين أبنائه وأحفاده. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول: “إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة”.

· أهمية التعبير عن مشاعر المحبة والتقدير والقبول.

أسأل الله أن يقي أبناءنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يرحم آباءنا كما ربونا صغارا، وأن يجعلنا جميعا على نهج الحبيب صلى الله عليه وسلم.