لم يهتم دين بالطهارة والنظافة كما اهتم دين الإسلام، فشرعنا يعلمنا نظافة الإنسان في بدنه وثوبه، ونظافة البيت، ونظافة الطريق، ونظافة المسجد… وغير ذلك من أنواع النظافات. ومن أبرز تجليات اهتمام ديننا بنظافة الإنسان ما اصطلح عليه بسنن الفطرة.
لنحيي الربانية في أنفسنا بتعلمنا سنن الفطرة
لقد جهل الكثير من المسلمين سنن الفطرة وغفلوا عنها، وهناك من يعلمها ولا يعمل بها ولا يعيرها اهتماما ولا أولوية، يحسب أن وجودها كعدمها، وأنه لا علاقة لها بالعبادات والشعائر التي يقوم بها، ويظن ألا تأثير لها في صحة عبوديته لربه وكمالها، وصحة إسلامه وإيمانه.
نعم إن سنن الفطرة أمور صغيرة وجزئيات دقيقة في الطهارة والتنظف، إلا أن المحافظة عليها تحيي فينا معاني الربانية، إذ الربانية كما قال سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى:كونوا ربانيين 1 هي تعلم صِغَار الدين قبل كباره) 2
لم لا يبطئ عني وأنتم حولي لا تستنون…؟
هذا حوار ودرس تعليمي دار بين المعلم النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم، نستمع له بتمعن لنتعلم نحن أيضا. فعن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا رسول الله لقد أبطأ عنك جبريل، فقال: ولم لا يبطئ عني وأنتم حولي لا تستنون -أي لا تنظفون أسنانكم-، ولا تقلمون أظافركم، ولا تقصون شواربكم، ولا تنقون رواجبكم -هي بطون وثنايا الأصابع-“ 3
تُرى ما الذي أبطأ جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة وأخّره عنهم؟ وما الذي جعل الوحي ينقطع عن المسلمين؟ والأحكام والتشريعات تتأخر عن الأمة؟َََ
إنه الغفلة عن خصال الفطرة وعدم الاكتراث بنظافة أدق أجزاء جسم المسلم: الأسنان والأظافر، والشوارب، وبطون أصابع اليدين والرجلين. إذن فشأن هذه الجزئيات عظيم عند الله تعالى، والقيام بها هو قيام بما أمر الله به أمته حتى تكون أمة ربانية تهتم بصغار أمور الدين قبل اهتمامها بكباره.
ما هي سنن الفطرة؟
الفطرة هي الخلقة السوية والهيأة الحسنة التي خلق الله تعالى عليها الإنسان، وهي الاستقامة الأصلية على الدين التي تحدث عنها القرآنفأقم وجهك للدين حنيفا، فطرتَ الله التي فطَرَ الناسَ عليها، لا تبديل لخلق الله 4
سنن الفطرة هي مجموعة من الخصال التي تتعلق بالنظافة والتجمل وحسن الهيأة، وهي صفات يتميز بها المسلم والمسلمة عن غيرهما، وبقدر محافظتنا على هذه السنن بقدر ما نكون أقرب إلى الخِلْقة السوية المتميزة التي خلقنا الله تعالى عليها.
ننطلق في كلامنا عن سنن الفطرة من رواية البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:“خمس من الفطرة: الاستحداد، والختان، وقص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار”
وفي رواية لمسلم تفصيل الخصال: عن أمنا عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:“عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء”
1- قص الشارب وإعفاء اللحية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خالفوا المشركين، وفِّروا اللحى وأحفوا الشوارب” 5
إنهما سنتان مختصتان بالرجال، فقد اقتضت فطرة الله تعالى التي ميزت بين الرجل والمرأة أن تجعل لكل منهما خصائص خِلقية تميز وظيفته في الحياة. فميز الرجل باللحية والشارب ليتناسب ذلك مع رجولته وخشونته ومهمته في الحياة، وعفا المرأة من ذلك لعدم تناسبه مع أنوثتها وجمالها وفطرتها ومهمتها في إعداد الحياة الزوجية والأمومة.
2- السواك: ومعناه دَلْك الأسنان وغسلها لإزالة رائحة الفم وصفرة الأسنان وأثر الطعام…، فقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يكثر من هذا الفعل، وكان أول ما يبدأ به إذا دخل بيته السواك كما روت لنا أمنا عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم، وكان صلى الله عليه وسلم يُرَغِّب في ذلك ترغيبا شديدا اهتماما منه بنظافة الأسنان.
متى يتأكد التسوك؟
هناك حالات يتأكد فيها تنظيف الأسنان كثيرا وهي:
– عند الوضوء: “لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء”وفي رواية:“لفرضت عليكم السواك مع الوضوء” 6
– عند الصلاة:“لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة” 7
– عند تغير رائحة الفم بسبب النوم، أو أكل ما له رائحة غير طيبة، أو عند ترك الأكل مدة… فقد كان المعلم صلى الله عليه وسلم لا يرقد من ليل ولا نهار فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ. يلزم عود الأراك لتتحقق سنة التسوك؟
ليس ضروريا توفر عود الأراك لتتحقق سنة التسوك خاصة وأن كثيرا ممن يستعمله في عصرنا يسيء استخدامه فيتسبب في أذى فمه ولثته وأذى الآخرين.
إن سنة التسوك تتحقق باستعمال أية وسيلة تحصل بها الطهارة ونظافة الفم والأسنان كالفرشاة والمعجون وغيرهما من الأدوات العصرية.
3- قص الأظفار: وتقليمها حتى لا تتراكم تحتها الأوساخ وحتى يتنزه المسلم عن التشبه بذي المخالب، تستوي في ذلك أظافر اليدين والرجلين. ويحسن التيامن في ذلك أي الابتداء عند عملية القص بالأصبع اليمنى من اليد أو الرجل اليمنى إلى آخر أصبع يسرى في اليد أو الرجل اليسرى.
وينبغي قص الأظافر كلما طالت وتوسخت، ويكره إطالتها فوق الأربعين يوما لما ثبت في صحيح مسلم عن سيدنا أنس رضي الله عنه قال:وُقِّت لنا في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، ألا تترك أكثر من أربعين ليلة)4- غسل البراجم: وهي جمع بُرجُمة، وهي مفاصل أصابع اليدين والرجلين وثناياها حيث يجتمع الوسخ والعرق والغبار…، ويعد الاعتناء بهذه المناطق الدقيقة بالغسل والتنظيف من السنة التي نثاب عليها ونؤجر.
وقد ألحق الإمام الغزالي بهذه المناطق ما يلتصق بجدار الأنف من الرطوبات وكل ما يلتصق بثنايا الجسم من العرق والوسخ والغبار… ليكون المسلم وتكون المسلمة دائما على نظافة متميزة ومظهر طيب.
5- نتف الإبط: أي نتف الشعر الذي ينبت تحت الإبطين -باطن الكتف-، فمن شق عليه النتف حلق بالأدوات المتاحة والمتوفرة، لأن المقصود تنقية هذا المكان من الشعر الذي هو موطن العرق والرائحة القبيحة.
6- حلق العانة: أي حلق الشعر الذي ينبت حول ذكر الرجل وفرج المرأة، ويتأكد هذا الأمر في حق الزوجين خاصة إذا كان ذلك ينفِّر أحدهما من الآخر.
ويسن النتف أو حلق الإبطين والعانة كلما استدعى الأمر ذلك، أي كلما طال شعر الإبطين والعانة وكان مدعاة للتعرق والتعفن، على ألا يتجاوز أربعين يوما دون حلق كما جاء في حديث سيدنا أنس السالف الذكر.
فالحمد لله الذي سن لنا هذه السنن، وإلا فكيف سيصير حالنا إن لم نستحد أربعين يوما فأكثر؟!!
7- الختان: في حق الرجال، وهو قطع الجلدة التي تغطي الحشفة، وهو من السنن الشعائرية التي يتميز بها المسلمون عن غيرهم، وفيه من الفوائد الصحية والنفسية والجنسية الشيء الكثير والعجيب مما انتبه ونبَّه إليه الأطباء والعلماء المهتمون.
8- المضمضة والاستنشاق وانتقاص الماء.
المضمضة هي خضخضة الماء في الفم ثم مجّه، والاستنشاق هو إبلاغ الماء إلى الخياشيم التي في أعلى الأنف لإخراج ما فيها من الوسخ، وانتقاص الماء هو الاستنجاء بالماء إثر قضاء الحاجة، وكل ذلك من تمام التخلص من الأذى وتحقيق نظافة البدن في كل جزئياته مما اعتنى به الإسلام غاية العناية.
9- إكرام الشعر: أي تعهده بالغسل والترجيل والتمشيط والدهن… واستعمال ما يلائم ويساعد على ذلك من المواد المنظفة.
إنها وصية الحبيب صلى الله عليه وسلم:“من كان له شعر فليكرمه” 8 ومن كان لها شعر أختي فلتكرمه.
أتى رجل النبيَّ صلى الله عليه وسلم ثائر الشعر واللحية -أي شعِث-، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يأمره بإصلاح شعره ولحيته، ففعل ثم رجع، فقال صلى الله عليه وسلم: “أليس هذا خيرا من أن يأتي أحدكم ثائرَ الرأس كأنه شيطان؟!” 9 وفي رواية: “رأى صلى الله عليه وسلم رجلا شعثا، فقال: أما كان يجد هذا ما يُسكن به شعره؟ ورأى رجلا آخر وعليه ثياب وسخة، فقال: أما كان هذا يجد ماء يغسل به ثوبه؟” 10
أين نحن من هذه السنن؟
إنها سنن عظيمة الشأن خفيفة المحمل، أكرم الله تعالى بها أمته لتكون خير أمة أخرجت للناس مظهرا ومخبرا، تتميز في كل شيء عن سائر الأمم.
أوصانا الطاهر الأمين صلى الله عليه وسلم فقال: “اغسلوا ثيابكم، وخذوا من شعوركم، واستاكوا، وتزينوا، وتنظفوا، فإن بني إسرائيل لم يكونوا يفعلون ذلك فزنت نساؤهم” رواه الطبراني.
فأين نحن من هذه السنن؟ أين هو الرجل من هذه الخصال الفطرية التطهرية في نفسه، وأين هي المرأة منها في نفسها وبيتها وزوجها وأبنائها؟
ما مدى اهتمامنا جميعا بها وحرصنا عليها في طلبنا لوجه الله تعالى والقرب منه؟
[3] رواه الإمام أحمد.
[4] سورة الروم الآية29
[5] متفق عليه.
[6] حديث صحيح رواه ابن خزيمة والحاكم.
[7] رواه البخاري.
[8] رواه أبو داود،
[9] رواه مالك.
[10] رواه أبو داود.