لطالما ترددت إلى مسامعنا هذه العبارة، ولطالما اتخذها البعض عنوانا لمقالاتهم ومدوناتهم، كما أنها تكون دائما المقدمة المفضلة التي يفتتح بها كل من أراد الإسهاب في نقذ الجيل الجديد لتليها بعد ذلك لائحة من السلبيات والعبارات التي لا تزيد هذا الجيل سوى توثرا وضعفا. أحقا الوضع سيء لهذه الدرجة؟!! هل خيّب هذا الجيل فعلا آمال الأجيال السابقة؟!!.
أسئلة وأخرى لا تزيد شباب اليوم سوى خوفاً وحيرة.
يصعد الطالب للحافلة حاملا أوراقه بين يديه يتصفحها بين الفينة والأخرى يراقبه ذلك الرجل الخمسيني لفترة قبل أن يفاجئه بالسؤال:
-هل أنت طالب؟
يجيب الطالب بكل فخر:
-نعم طالب في كلية الحقوق ..
تتغير ملامح الرجل الخمسيني فجأة فيبدأ في ترديد عبارات الحسرة على حال طلبة اليوم دون أن ينسى عبارتنا الخالدة ” بين الأمس واليوم”، ثم يردف قائلا:
-لقد تغير كل شيء، طلبة اليوم لا يدرسون بجد، تربيتهم فاشلة، كثيروا اللهو وليسوا أهلا ليكونوا خلفا لمن قبلهم…
ثم يستمر في سرد لائحة من الصفات والسلبيات جعلت ذلك الطالب يتساءل فعلا عن الذنب الذي اقترفه حتى يكون من مواليد هذا الجيل الذي يحمل كل هذه الصفات.
اجتمع طلبة آخرون و قرروا إقامة نشاط ثقافي بالجامعة، استمرت الاستعدادات لأيام، كل منهم حاول أن يبذل قصارى جهده لإبداع أشكال جديدة ومفيدة يستفيد منها طلبة جامعتهم، تحدوا إمكانياتهم وحاولوا إثبات وجودهم داخل جامعة دُبّر لها أن تزرع الخوف والخنوع في صفوف هذا الجيل البئيس، حاربوا سياسة القمع، وأقاموا نشاطهم رغم كل الظروف، آملين أن يكونوا فخرا للأجيال السابقة وأن يلقوا التشجيع الذي يستحقه ذلك العمل البسيط الذي أنتجته أياديهم، فما كان من الأجيال السابقة إلا أن كانت السباقة لتحطيم ذلك الأمل، مرددة عبارات السخرية مما آلت إليه جامعتهم التي شهدت ماشهدت في زمنهم، ليكونوا بذلك جزءا من سياسة القمع بدلا من أن يدافعوا عن أبنائهم ويُصوّبوا هجومهم نحو الآلة القمعية التي تزداد شراستها وتتنوع أساليبها عبر الزمن.
طالبة أخرى تنتظر في محطة الحافلة بوجه شاحب يكسوه الخوف، تلتفت لساعتها اليدوية في كل مرة، وتعزف بقدميها لحن عقارب الساعة من شدة التوثر، تقترب منها تلك المرأة الأربعينية لتسألها عن سبب توثرها؟ تجيب الفتاة بأنها تأخرت عن الامتحان مبدية مخاوفها حول إمكانية منعها من اجتياز الإختبار، أكثر شيء تمنته في تلك اللحظة هو أن تسمع عبارات اطمئنان ودعوات بالتوفيق والتيسير… نظرت إليها السيدة لوهلة ثم قالت أخيرا، بعد بضع عبارات أسف؛ أنتن فتيات اليوم مهملات، ولا تقدرن قيمة الوقت، وحياتكن كلها مبعثرة، ألا يكفيكن أنكن لا تقمن بأشغال البيت بحجة الدراسة؟ فكيف تضيّعن أوقاتكن؟ نحن في زمننا كنا نطبخ ونغسل الصحون ونقدم الفطور للأهل قبل خروجنا للدراسة، كانت منّا من تملك أطفالا صغارا تحضرهم للجامعة، ومنّا من تجتاز الإختبارات بعد يومين أو ثلاتة من إنجابها…كانت الطالبة تحمل أملا صغيرا في إمكانية اجتيازها للإختبار، إلا أنها بعد هذا الخطاب فقدت الأمل في الحياة كلها…
كُلّها أمثلة إن لم نكن شاهدناها فقد عشناها نحن أبناء هذا الجيل، نتسائل دوما ما ذنبنا؟ ماذنبنا إن أصبحنا ندرس تحت أضواء المصابيح بدلا من أضواء الشموع؟ ما ذنبنا إن دخلت التكنولوجيا لعصرنا فسهلت لنا إيجاد المعلومة؟ ما ذنبنا إن كنا أبناء جيل تحاملت عليه كل القوى لتفسده؟ فمنا من سقط ومنا من ثبت وآخرون لا زالوا يقاومون بكل ما يحملون من أسلحة…لماذا نُجلد بدلا من جلد ظالمينا؟
قرأنا عن شباب الأمس وعن المجد الذي صنعوه في عصرهم، فشعرنا بالفخر لكوننا سنكون خلفاً لخير سلف، مضينا قدُماً في الطريق التي سلكها من سبقونا، إلا أنها لم تكن نفس الطريق أو بالأحرى لم تعد كما كانت! بل صارت مجهزة بكل البرامج والآلات والنّظم والوسائل التي من شأنها إفسادنا وإزاحتنا عن الطريق، نودّ فعلا أن نصير مثلكم! أن نملك قوتكم! ونصنع مجدكم! ونكون فخرا لكم! إلا أن حربنا ليست كحربكم، صحيح أن عدونا واحد، لكنه طور أساليبه ليلائم زمننا، فدعونا نطور أساليبنا كذلك لنلائم زمننا ويوافق سلاحنا سلاحه، لا تطلبوا منا أن نكون نسخة عنكم، ولا تنتظروا منا أن ننهج نفس أساليبكم، لأننا بهذا سنظلم تاريخكم و نظلم حاضرنا…
إلى كل من يحمل همّ هذا الجيل الجديد! إلى كل من يعتصره الألم لما آل إليه “شباب اليوم”، إلى كل حرّ صنع تاريخا كان وسيزال مفخرةَ الأجيال! مُدّ يديك لأبناء هذا الجيل الجديد، اسمع لشكاويهم وادرس معاناتهم، كن خيرَ موجّه لشبابٍ أغرقهم زمنهم في بحور الحيرة والضعف، كن عونا لهم على زمانهم ولا تكن عونا للزمان عليهم…
وإلى كلّ شاب ينتمي الى هذا الجيل الجديد، الأمر ليس سهلا! ولكنه ليس مستحيلا أيضا، كل الآمال عليك لتحمل لواء التغيير، فلا تستكن! ولا تضعف لملهيات عصرك! لا تستسلم لما تسمع من صفات وألقاب، الفرق بينك وبين أجدادك في الغلاف فقط! أما الجوهر فسيظل عازما على التغيير رافضا للفساد ومحاربا للآلة القمعية حتى آخر رمق.
شباب الأمس وشباب اليوم
نشر بتاريخ
نشر بتاريخ