في مواسم الخير يحدث ما يشبه الانتقال.. في الملموسات والمحسوسات.. أظن الأمر يتعلق بالروح التي تتوهج فرحا بقدوم مواسم الزرع والإنماء.. ببهجة تشبه فرح الفلاح المثابر يجمل حقله.. يبذر حَبَّهُ.. وحُبه.. وفي كل صباح باكر قبل الإشراق يكون أول الحارسين وآخر الغائبين.. ينام غلبة وينتظر الحصاد ولا يقف عند نقطة انتهاء.. أو التهاء..
يشع من قلب المؤمن والمؤمنة الفرح بالله.. فله سبحانه فيها نفحات تعيد الحياة الحقيقية لنفسه.. تعطيه ملامح طريق صاف.. وشرابا عذبا لا يؤاخذ من ازداد منه.. بل كلما ازداد ازدان..
وبعيدا عن السبح في معاني أقرب إلى الأحلام يكفي التوقف في سيرة النبي العدنان صلى الله عليه وسلم وسيرة الأحباب الصلحاء الأتقياء.. من نصبوا أوقاتهم لخدمة مولاهم.. ففازوا..
حديث ذو شجون كما يقال.. يمتزج فيه الإثنان.. عقل يتحرر من قيد جحوده وصرامة أرقامه.. وقلب يتعلم كيف يحب لله.. في الله.. ثم يندمجان.. عقل محب.. وقلب عاقل..
وفيما يلي مقتطفات قصيرة شافية تعطي صورة لحال الصحابة وصالحي الأمة في فرحهم بمواسم الله.. ونحن في شهر شعبان ننتظر رمضان.. بشوق وعمل بإذن الله.
روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: “كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استهل شهر شعبان أكبوا على المصاحف فقرءوها، وأخذوا في زكاة أموالهم فقووا بها الضعيف والمسكين على صيام شهر رمضان، ودعا المسلمون مملوكيهم فحطوا عنهم ضرائب شهر رمضان، ودعت الولاة أهل السجون فمن كان عليه حد أقاموا عليه، وإلا خلوا سبيله”.
شهر تغفل الناس عنه.. والعبادة وقت الغفلة محبوبة إلى الله.. كما روى مسلم عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: “العبادة في الهرج كهجرة إليَّ”.
ومن شعر الإمام البخاري رحمه الله:
اغتنم في الفراغ فضل ركوع ** عسى أن يكون موتك بغتة
نداء نسمعه.. ويُسمعه الله لمن يشاء من عباده حتى يستوفز للعمل ويجد في التحصيل.. وأحسن العمل ما كان ابتغاء وجه الله والدار الآخرة.
اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان..