لا يعرف قدر الرجال إلا الرجال.. والإمام عبد السلام ياسين رحمه الله رجل يعرف للرجال قدرهم، إذ هو الخبير بمعادنهم، بحكم خبرته التربوية الطويلة في مجال التعليم، وبحكم ما تشربه من صحبته لأحد الرجالات الأفذاذ، الحاج العباس رحمه الله، وبحكم ما وهبه الله تعالى من نظرة ثاقبة، زكاها ما تراكم من تجربته الطويلة في ميدان الدعوة حيث يُعجَم عود الرجال، ويُفتَن معدنهم، وتطفو على السطح بواطن حقائقهم، وتظهر أمام الملإ كفاياتهم الفكرية والتربوية والحركية.
وفي سياق عرض الإمام رحمه الله لمشروعه التغييري الكبير، يقف بين الفينة والأخرى ليدلي بشهادته في رجال ساهموا في صناعة تاريخ أمتهم، إشادة بما كان لشخصياتهم من أثر بليغ في تنويرها، وتنويها بما كان للفضلاء من أياد بيضاء على مذاهبهم واختياراتهم وتياراتهم. ولم تمنع بعض ملاحظات الإمام على بعض ما خرج به هؤلاء الرجال إلى الناس من الاعتراف بقدرهم، ونشر فضائلهم، بل كان، وهو يملي ملاحظاته تلك، حريصا على التماس العذر لهذا فيما صنع، وتَفَهُّم موقف ذاك فيما اختار، في أدب جمّ ينم عن طبع كريم، وتواضع لا يصدر إلا عن رجل عظيم، يعرف لذوي السابقة منهم غناءها، ولأهل الغناء فضله، ولمن كان له حظ من الله ما أكرمه الله به.
ويسر موقع الجماعة نت أن يعرض، في حلقات ابتداء من الأربعاء 10 دجنبر، في سياق إحياء الذكرى الثانية لرحيل الإمام رحمه الله، شهادته في بعض هؤلاء الرجال، من مشرق الأمة ومن مغربها، مستقاة من ثنايا كتاباته رحمه الله، كأنها تلميح إلى ما ينبغي أن نكون عليه من خلق يعرف للرجال سابقتهم وغناءهم وحظهم من الله.