عنوان الأحبة إقبالهم فور ندائهم، وقد نادانا ربنا ورغبنا في صيام الشهر الفضيل حق صيامه واحتساب أجر قيامه واستنفار الجهد وإيقاظ القلب للوقوف بين يديه عز وجل، فلا توفيق إلا به سبحانه، ولا بعث لراقد الهمم إلا منه عز وجل. وإذ تتوالى الأيام على من انغمس في الأنوار فلم يفطن لوجودها، وانحجب عن عظيم مكنونها، فقد يسر الحليم الكريم عز وجل بعض نفحات هي رسائل منبهة ومواعظ زاجرة وأشواق للروح ملوعة مروعة، لعل غافلا يقوم ويشمر، ومتأخرا ينتبه ويقدم، ومحسنا يزيد ويربي ويرقى.
فالحمد لله الذي منع وأعطى، وبسط وقبض، وأعلن وأخفى، وأظهر وستر، ستر منا القبيح وأظهر الجميل، وقبض النفس عن شهواتها وبسط سلطان الروح لتشبع إيمانا وتمليا. أعطى للضعفاء أفضاله وكرمه، ومنع عنهم شر الشياطين وأهل الغواية والنفس الأمارة، الحمد لله على كل شيء. اللهم تسلم منا ما مضى من رمضان مقبولا مشفوعا بذلتنا وافتقارنا وتضرعنا، ووفقنا لما بقي منه وزكه لنا، واكتب لنا تحصيل ليلة القدر بركة وفوزا كما تحب وترضى، واكتب لنا فيها من الإقبال والأوبة أكبر حظ وأوفر نصيب.
شهر رمضان عنوان لرحمات الله، ودعوة لأمة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُقبل إلى من لا يرد سائلا، لا يخيب طالبا راجيا، ولا يصد طارقا للباب متوسدا الأعتاب، فالحمد لله على هذه النعمة العظيمة.
الفرح بفضل الله يجعل القلب في ذكر دائم، ومن شكر فقد ذكر، ومن شكر زاده الله يقينا ومددا، ومن شكر اغترف من بحر عطائه عز وجل وأفاض على من حوله، فاللهم اجعلنا من الحامدين الشاكرين في كل حال.
وكأن كل يوم من أيام شهر رمضان ولياليه يفك عقدة شيطان، ويغرس بدلها حب الرحيم الرحمان، بذرة تنمو وتزهر وتتفرع، وتصعد بالنفس وتجلي الروح لتنظر وجه ربها عز وجل، فإذا بأرض الزرع متوجهة متعرضة. وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا.
من داوم على إقباله على مولاه أتم عليه نعمه بفك أغلال مانعة عن الكمال، فالحمد لله حمد معترف بنقصه مفرط بجنب ربه محب للقرب تائب من كل حال يبعد عن المولى الكريم الوهاب.
شهر رمضان يمضي لا لكي نحزن، ولا لنقنط ونضجر، ولا لنلوم أمة الحبيب المصطفى المختار، وهو الذي بأبي وأمي يدعو ربه “اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي” فيجيبه الحق عز وجل “إِنَّا سَنُرضِيكَ في أُمَّتِكَ وَلا نَسُوؤُكَ”، فمن تمام الأدب تعظيم قدر هذه الأمة وبذل المرحمة والإشفاق على أهل الغفلة، فكم من تائه ظن به الناس ألا يعود ويتوب فتاب الله عليه وخيب ظنهم فيه، وكم من متعثر انقلب حاله إلى أفضل حال، وكم من معجب مدل بعمله ساء أمره وبعد عن طريق الله، إذ داخلته الأهواء وترفع عن الخلق بظاهر كرم الله عليه، نعوذ بالله من الغرور والنفاق وسوء الأخلاق.
الخير والفلاح موعود الأمة المحمدية، فالحمد لله مبتدءا وختاما.