دردشة وضحكات تتعالى في غرف مفتوحة أو مغلقة على وسائل التواصل الاجتماعي، أو همسات بين صويحبات وأصحاب الشات؛ يسر بعضهم بما يفعل كل منهم في خدره مع زوجه، أو وصف بجهل وغباء للطرف الآخر، أو إظهار لعيوبه الخلقية أو الخلقية..
أقوال وأفعال تفسر بعض ما تعج به المحاكم من حالات الطلاق المتزايدة، وما تنذر به من كوارث اجتماعية مأساوية.
فكم آمال بالسعادة تحطمت وآلام عاشتها أسر بسبب نزوة حديث السمر في شريك العمر، بذكر معايبه أحيانا كثيرة، وبالمحاسن التي لا يرضي الطرف الآخر إفشاؤها في بعض الأحيان (في المعاشرة تحديدا).
أسباب إشاعة أسرار الزوجية
أولها: الجهل والأمية الشرعية؛ فعدم معرفة الزوجين لضوابط وأحكام الشرع في علاقتهما يجعلها عرضة لهذه الآفة، ويزيد غياب صحبة معلمة موجهة وضعف الإيمان والغفلة عن الله الأمر سوءا، حين لا يدرك الزوجان أن هذا الفعل ذنب عظيم يعاقب عليه لذاته ولما يترتب عنه من آفات اجتماعية.
ثانيها: الإحساس بالنقص وعدم وجود مميزات في الشخصية، فيسعى المتحدث لجلب اهتمام الآخرين بهذا الحديث، واستجداء إطراء مزيف ليحس ولو لبعض الوقت بوجوده.
ثالثها، وهو الأكثر تفشيا وشيوعا: الإحساس بالفراغ العاطفي، والتردد على غرفات الشات التي تستحل الحديث الفاحش والكلام البذيء وتنشر ثقافة السطحية والتفاهة.
وآخرها، وهو الأخطر والأشد: الرغبة في الانتقام من الشريك كرد فعل عن تصرف مؤلم أو خيانة أو اعتداء لفظي أو جسدي..
أحاديث نبوية في النهي عن كشف أسرار العلاقة الزوجية
ورد في السنة النبوية الشريفة أحاديث تنهى عن مثل تلك الأقوال والأفعال، ذهبت إلى حد وصفها وتشبيهها بأفعال الشياطين.
تروي لنا أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية رضي الله عنها، أنها كانت عندَ رَسول الله صلى اللهُ عليه وسلم والرِّجالُ والنساءُ قعودٌ عندَه، فقال: “لعلَّ رجلا يقولُ ما يفعلُ بأهله، ولعل امرأة تخبرُ بما فعلت مع زوجها!” فأرَمَّ القومُ (سكتوا)، فقلت: إي واللهِ يا رَسولَ الله، إنهنَّ ليقلنَ، وإنهم ليفعلونَ! قال: “فلا تفعلوا، فإنما مثلُ ذلك مثلُ الشيطان لقيَ شيطانة في طريق فغشيها والناسُ ينظرونَ” (رواه مسلم).
شيطان وشيطانة من الإنس يفعلان الفاحشة على مرأى ومسمع من الناس؛ هو تمثيل ووصف لكلام وحديث الرجل عن زوجته والمرأة عن زوجها في علاقتهما الخاصة (الحميمية) مع الأغراب أو الأصدقاء وحتى الأقارب. عبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصيغة وهذه الصورة البشعة المقيتة للفاحشة ولهذا المنكر البغيض، ليجعل فطرة النفس البشرية السوية تشمئز وتتقزز وتمج هذا الفعل المشين، وليحذر من يفعله ليتوب ويعود إلى صوابه.
وهذه من ضمن التوجيهات النبوية التي كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يغتنم فيها فرصة اجتماع الصحابة، نساء ورجالا، ليوجههم لأمر يهمهم جميعا، لما يعلم عن مدى خطورة الشأن إن تفشى، خاصة إذا كان يهدد تماسك الأسر ووحدتها ويعصف ببنائها واستقرارها.
وقد اعتبر عليه الصلاة والسلام في حديث آخر من يفعل ذلك من أشر الناس يوم القيامة. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ من أشرِّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرَّها” (رواه مسلم).
كما عده صلى الله عليه وسلم في رواية أخرى من خيانة الأمانة. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أَعظمِ الأمانةِ عندَ اللهِ يومَ القيامةِ، الرَّجلَ يفضي إلى امرَأَتهِ، وَتفضي إِليهِ، ثمَّ ينشرُ سرَّها”، وفي رواية: “إنَّ أَعظمَ” (رواه مسلم).
وفي قوله جل وعلا عن العلاقة بين الزوجين: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ معنى الستر والتكتم وليس الكشف والفضح.
متى يسمح بالحديث عن العلاقة الخاصة بين الزوجين؟ ومن يتصدى لذلك؟
إن كشف تفاصيل وأسرار الحياة الزوجية من الزوج أو الزوجة، عفويا أو قصدا، لقريب أو بعيد، لأجل العبث أو الإصلاح، لا يجوز (حرام) إلا في حالات استثنائية وشديدة الخطورة تتعلق بالناحية الصحية أو النفسية أو الضرر الفادح على أحد الطرفين.
وتقضي به في غالب الأحيان المحاكم أو جهات مختصة تابعة لها، أو صفوة من العلماء الثقات الورعين؛ يقدرون الوقائع والضرورات بقدرها من باب إصلاح ذات البين.
ويضاف إلى العلاقة الخاصة أو الحميمية – من باب القياس – كل ما يرتبط بهذه العلاقة من أوصاف للزوجين، كوصف الزوج مثلا بالبخل، والزوجة بالجهل، أو تعيير بعضهما البعض بعيوب خلقية أو خلقية.
أما ما نراه ونشهده من كشف عورات البيوت وتفاصيلها في الآونة الأخيرة في بعض وسائل الإعلام بدعوى الإصلاح والنصح ممن هب ودب، فما أنزل الله به من سلطان، بل هو حق أريد به باطل.
وهذه المعصية التي فيها تشبه بأفعال الكفار في الأمم السابقة تستوجب غضب الله سبحانه عز وجل ولعنته لفاعليه من جهة، وكذا للذين لا يتناهون عنه، لما ورد في قوله عز وجل: لُعِنَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۢ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰءِیلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُۥدَ وَعِیسَى ٱبۡنِ مَرۡیَمَۚ ذَ ٰلِكَ بِمَا عَصَوا۟ وَّكَانُوا۟ یَعۡتَدُونَ * كَانُوا۟ لَا یَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَر فَعَلُوهُۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُوا۟ یَفۡعَلُونَ (المائدة، 78 – 79).