الصحابيات في زمن الحرب ونساء غزة اليوم يجتمعن في مواقف عظيمة من الصبر والشجاعة والتضحية، ولكن تختلف الظروف والتفاصيل بين العصرين. لنقارن بينهما في عدة جوانب:
1. الشجاعة والمشاركة في الدفاع
كانت الصحابيات في زمن النبي ﷺ تشاركن في الغزوات بطرق مختلفة؛ للتمريض وجمع الماء وتقديم الطعام للمقاتلين.. بل وأحياناً المشاركة في القتال؛ مثال ذلك نسيبة بنت كعب (أم عمارة) التي شاركت بشجاعة في غزوة أُحد، دفاعاً عن النبي ﷺ.
أما نساء غزة اليوم فتظهر شجاعتهن في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، حيث يواجهن العدوان بصمود عظيم رغم القصف والتشريد وفقد الأحبة، بل ويدعمن رجالهن وأبناءهن في المقاومة بطرق مباشرة وغير مباشرة.
2. الصبر على البلاء والفقد
الصحابيات تحملن فقد الأحبة في سبيل الله، واحتسبن أجرهن على الله، مثال ذلك أم سليم بنت ملحان التي فقدت ابنها لكنها صبرت واحتسبت وأرجعت أمرها إلى الله.
أما نساء غزة فيواجهن فقدان الأبناء والأزواج والأقارب يوميا بشكل مفجع بسبب العدوان الهمجي ويحتسبن ذلك عند الله، مستمدات الصبر من الإيمان بالله السميع البصير.
3. التضحية من أجل الدين والوطن
الصحابيات قدمن تضحيات عظيمة في سبيل نصرة الدين، مثل أسماء بنت أبي بكر التي تحملت المشقة في الهجرة وساهمت في دعم النبي ﷺ وأبيها في الغار.
ونساء غزة يضحين بالغالي والنفيس، ويتحملن قسوة العيش وقهر الحياة في ظل الحصار والقصف، متشبثات بأرضهن ورباطهن .
كلاهما تحملت ظروفاً قاسية وخاضت المعركة بروح الإيمان. الصبر كان مفتاح النجاة والتماسك في كلا السياقين.
الصحابيات خضن الحروب بشكل مباشر بجانب الرجال في بعض المعارك، بصفوف موحدة واصطفاف ظاهر بين أهل الإيمان والكفر، أما نساء غزة، فهن يواجهن إبادة جماعية تحت أنظار العالم الإسلامي والعربي، بل وبتواطؤ من بعضهم.
الإبادة على غزة أحداثها تدور على المباشر وتجاوزت العام، لم تهدأ فيها الآلة الحربية بالمرّة .
4. دورهن في تربية الأجيال
لعبت الصحابيات دوراً مهماً في تربية أجيال من المؤمنين القادة الذين حملوا راية الإسلام ونشروه في أنحاء العالم؛ مثل أم سليم بنت ملحان التي ربت ابنها أنس بن مالك على حب الله ورسوله، حتى أصبح خادماً للنبي ﷺ وعالماً جليلاً.
كانت الصحابيات يزرعن في أبنائهن قيم الجهاد والصبر والشجاعة منذ الصغر، كما فعلت الخنساء التي دفعت أبناءها الأربعة للجهاد، وقالت لهم: “قاتلوا عن دينكم صابرين محتسبين.”
أما نساء غزة فرغم الدمار والظروف الصعبة، يصررن على تعليم أبنائهن، ليس فقط في المدارس، بل أيضاً في غرس روح المقاومة والتشبث بالأرض. فالأم الغزاوية تربّي جيلاً واعياً مدركاً لقضيته، مستعداً للصمود والبناء.
تقدم نساء غزة أبناءهن للمقاومة وللدفاع عن الوطن، وفي لحظات الفقد تحتسبنهم شهداء.
5. الصمود أمام الحصار والفقد
الصحابيات عشن فترات شديدة القسوة، مثل حصار شعب أبي طالب، حيث واجهن الجوع والعطش والاضطهاد. ومع ذلك، بقين صامدات ثابتات على إيمانهن.
أما نساء غزة فيعشن تحت حصار خانق منذ سنوات، ومع ذلك يتفوقن في إدارة مواردهن المحدودة، وتحويل الفقر إلى مصدر قوة وإبداع، عبر العمل المنزلي، والزراعة، ودعم أسرهن معنوياً ومادياً.
6. التحدي الإعلامي والرسائل الموجهة للعالم
كانت أفعالهن وصبرهن رسالة للعالم الإسلامي الجديد. أظهرت الصحابيات صورة المرأة المسلمة الصامدة القوية التي يمكنها أن تكون شريكة في صنع التاريخ.
نساء غزة يلعبن دوراً محورياً في إيصال معاناتهن للعالم من خلال وسائل الإعلام؛ عبر كلماتهن، وصمودهن في الإبادة المروعة، ينقلن رسالة القضية الفلسطينية بعزم نسائي مشارك في المعركة في وقت وقفت فيه جحافل الجيوش موقف المتفرج.
6. المرأة كمركز للعائلة والمجتمع
الصحابيات كن حجر الزاوية في بناء المجتمع الإسلامي. على سبيل المثال، كانت السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها السند الأول للنبي ﷺ في دعوته.
نساء غزة هن اليوم حاميات الهوية الفلسطينية والمقاومة، ويعملن على توجيه الأسرة نحو الحفاظ على الثوابت والتمسك بالأرض، حتى في أحلك الظروف.
نساء غزة اليوم يشبهن الصحابيات في الإيمان الراسخ والصبر العميق، وفي كونهن ركائز للمجتمع والأمة. يواجهن أعداء العصر بأسلحة غير تقليدية: الصمود، التعليم، التضحية، والإصرار على الحياة الكريمة.. كما أنهن يثبتن للعالم أن المرأة قادرة على تحويل الألم إلى أمل، تماماً كما فعلت الصحابيات في زمن النبي ﷺ.
المرأة الفلسطينية تجسد شجاعة وكرامة لا نظير لهما، مما يجعلها بحق “صحابية العصر” في نضالها وتضحياتها.