الأستاذ علي سقراط رحمه الله تعالى، مجلة الجماعة، العدد الخامس، ط 1980/1.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فيما يبلغه عن ربه عز وجل أنه قال: «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا ي زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه وإن استعاذ بي لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله، ترددي عن قبض نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته». رواه البخاري
كلنا يريد التقرب إلى الله ويتشوف إليه، وأول خطوة لنيل هذا التقرب: الالتزام والامتثال والقيام بأوامر الله، وأداء فرائضه، وفي أداء الفرائض راحة لضمائرنا ونشاط لأبداننا، ومن الفرائض والواجبات التي يتغافل عنها عامة الناس ولا يهتمون بها: المواظبة على صلاة الجماعة في الصلوات الخمس، وفيما شرع فيه الجماعة من النوافل.
صلاة الجماعة لا يتخلف عنها إلا منافق
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات، حيث ينادى بهن، فإن الله تعالى شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته، لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد، إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف».
وفي رواية: «لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه، أو مريض، وإن كان الرجل يمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة»، وقال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه». رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
النهي عن التهاون بصلاة الجماعة
إن الشارع نهانا عن التهاون بصلاة الجماعة، وأن نصلي في بيوتنا فرادى إلا لعذر شرعي.
عن عمرو بن أم مكتوم رضي الله عنه قال: «قلت يا رسول الله أنا ضرير شاسع الدار، ولي قائد لا يلائمني، فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال: أتسمع النداء؟ قال نعم، قال ما أجد لك رخصة». رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه والحاكم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا لي حزما من حطب، ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة، فأحرقها عليهم، فقيل ليزيد (هو ابن الأصم): الجمعة عنى أم غيرها؟ قال: صمت أذناي إن لم أكن سمعت أبا هريرة يأثره عن رسول الله صلى الله وسلم ولم يذكر جمعة ولا غيرها». رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه والترمذي مختصرا.
إذا علمنا ما ينتظر المتخلف عن صلاة الجماعة من الوعيد الشديد، فلم لا نبتدر حضورها ونأتيها في أول أوقاتها، ونواظب عليها، حتى نتقي شر ذلك الوعيد ونقترب إلى الله عز وجل، لعلنا نفوز برضاه، ونكون من المؤمنين المحسنين.
فضائل صلاة الجماعة
صلاة الجماعة ترمي إلى غاية نبيلة، وتهدف إلى التخلق بأخلاق عالية، هي جمع قلوب المؤمنين على الألفة والتعارف والمحبة والتعاطف قال الله تعالى: هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (الأنفال: 62-63). إن الله إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيء.
إن صلاة الجماعة ترمي إلى تهذيب السلوك، وتطهير القلوب من التنافر والتباغض والشقاق والكراهية، وتحث على إخلاص العبادة للمعبود، ومحبة الله، وطلب رضاه. يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله: «أصل العبادة محبة الله، بل إفراده بالمحبة، وأن يكون الحب كله لله، فلا يحب معه سواه، وإنما يحب لأجله وفيه». ومعلوم أن من محبة الله محبة عباده، فإننا نرى أن تكديس الأجسام وازدحام الأبدان غير مرغوب فيه إذا لم يتحقق هذا المقصد النبيل، إنما جمع الأجسام وسيلة لجمع القلوب والوصول إلى تركيز الوحدة الدينية العامة، التي أمر بها الإسلام وكلف بها المؤمنين لتحقيقها وتحصيلها، قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (آل عمران: 102-103).
على أن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين ضعفا، والإنسان لابد أن يبحث عن ربح دنيوي أنى وجده! فما باله لا يبحث عن الربح الأخروي الدائم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته، وفي سوقه، خمسا وعشرين ضعفا، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئته، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه ما لم يحدث، اللهم صل عليه: اللهم ارحمه، ولا يزال في مصلاه ما انتظر الصلاة». رواه البخاري واللفظ له ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة». رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
يجب على المؤمن أن يكون مع المؤمنين وينضم للجماعة، ويتعاون معها على إقامة شرع الله ويشاركهم في الصبر والعمل والرحمة.
آداب المأموم
ندخل المسجد بيت الله بوقار وسمت إسلامي، ونهاجر كل ما يلهينا عن ذكر الله وعن الصلاة من الملهيات الدنيوية، ولا ندخله إلا ونحن على طهارة، ثم تكون نظرتنا إلى إخواننا نظرة رحمة ومحبة، فنحسن الظن بعباد الله، ونحرص على الصف الأول، استجابة لما روي عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا». رواه البخاري ومسلم.
نسعى إلى الصف الأول ما لم يتسبب ذلك في إيذاء المؤمنين المصلين وإلا الفضل كل الفضل في الصلاة مع الجماعة أنى كان.
ومن آداب المأموم أن يكون لينا في أيدي إخوانه، يساعد على تراص الصف حتى لا يترك الخلل للشيطان.
عن أنس رضي الله عنه قال: أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: «أقيموا صفوفكم وتراصوا فإني أراكم من وراء ظهري». رواه البخاري ومسلم بنحوه.
وفي رواية للبخاري: فكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه.
نصائح عملية
1. تذكر دائما قوله تعالى: إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (طه: 74-75).
2. إياك أن تستثقل الخروج إلى الصلاة مع الجماعة فتكون عاصيا لربك مطيعا للشيطان قال الله تعالى: وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ الزخرف: 62).
3. إنك تصدق صديقا لك يعدك بمنحة، ويضرب لذلك أجلا فترتقب حلول الأجل بكامل الشوق، ثم تتغافل عن موعد ربك، ولو تم تصديقك لوعده لسعيت إليه بكل قواك: وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ (التوبة: 111).
4. كن مومنا بعهد الله مصدقا باليوم الآخر متيقنا بالرحيل.