صلاح الأبناء من صلاح الآباء

Cover Image for صلاح الأبناء من صلاح الآباء
نشر بتاريخ

من شروط إنجاح الزواج اختيار الرجل المرأة ذات الدين، واختيارها الزوج ذي الدين والخلق لإنشاد الوفاء والإخلاص والتعاون على دين الله في الدنيا فيكونان معا في الآخرة.

فعلى الزوج الحماية والصيانة وجلب المصالح، وهذا ما يعرف بشرط القوامة، وعلى المرأة الحفظ بشموليته: في نفسها وبيته وولده وماله، وهذا شرط الحافظية. قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء: 34].

يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: “البيت المسلم الذي يمارس فيه الزوج «درجة» قائد السفينة، هو هناك مع خرائطه، ومُخططات الإبحار، ومواجهة أهوال الموج، وهي حافظة لما به تتغذى السفينة وتتحرك من دواليبَ خَفيَّة ووَقود وصيانة. تطيع الربان إذا أمرها، وتحفظ غيبه في نفسها وماله” 1.

إن من حكمة القدير أن جعل حبل الفطرة ينبع من أحشاء الأمهات، وجعل أحضانهن كنفا، فجسم الطفل وروحه كائن ضعيف يحيا وينمو ويتغذى على ما تقدمه الأم من غذاء وتهبه من إيمان.

الطفل مستقيم على الدين أصلا فطريا، ما على الوالدين – وبالأخص والدته – إلا تلقينه أو إخباره إخبارا صادقا بديهيا، كي لا تتشوه الفطرة كما تتشوه الخلقة الجسمية.

أهملت الأمهات في عصرنا وظيفة الحافظية، فصببن اهتمامهن على بناء جسم الطفل وأهملن تربية روحه بسبب الجهل والغفلة والتغافل عما أنزل الله، وتبقى الأم المعول عليها في توصيل الخير وحفظ الفطرة؛ برعاية بذرة الإيمان في الطفل حتى تؤتي الشجرة الطيبة أكلها بإذن ربها، وفي سبيل هذه الغاية يجب أن تستفرغ جهدها، خصوصا مع هذا الهجوم الكاسح لوسائل الإعلام المليئة بهوس الدنيا من حركة ولذة وصد عن الله تعالى.

قضت سنة الله تعالى أن تخرج من بيوت الصالحين ذرية طيبة، وهو ما أثبته القرآن الكريم وأقرته الفطرة السليمة واستتب في أعراف الأمم الغابرة، قال تعالى: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا [الأعراف: 58]. وقال عز من قائل يحكي قول بني إسرائيل لمريم ابنة عمران حين وهبها سبحانه وتعالى عيسى عليه السلام بلا أب معجزة خالدة قَالُواْ يٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يٰأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا [مريم: 27 – 28]، وهو عتاب لمريم لما رأوا منها ما لم تتقبله عقولهم وتستوعبه أفهامهم، مستنكرين أن يصدر منها هذا وهي من بيت طيب معروف بالصلاح والطهر.

إن صلاح الذرية لهو ثمرة صلاح الوالدين، وإن حسن الأخلاق والدين أساس البيت المسلم، وذلك لأمور نجملها فيما يلي:

ـ سعي الوالد في صلاح الولد امتثال لأمر الله تعالى، وبذل الجهد في ذلك قربة وعبادة يرجو ثوابها عند الله، قال تعالى: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [النساء: 9]. قال سعيد بن المسيب لابنه: “لأزيدن في صلاتي من أجلك رجاء أن أحفظ فيك، ثم تلا قوله تعالى: وكان أبوهما صالحا“.

ـ الحرص على أكل الحلال، لأن الحرام لا ينتج إلا أبدانا خبيثة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل جسم نبت من الحرام فالنار أولى به) 2. جاء في الأثر عن إبراهيم بن إسماعيل والد الإمام البخاري: (والله ما أعلم أني أدخلت على أهلي درهما حراما أو درهما فيه شبهة)، فكانت الثمرة إمامنا البخاري سيد الحفاظ صاحب كتاب صحيح البخاري أصح كتاب بعد القرآن الكريم.

ـ الولد الصالح امتداد للأب، قال تعالى: فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ [الكهف: 82]؛ جعل تعالى استحقاق الولدين رحمة الله سببه صلاح الوالد، معين لا ينضب لاستمرار ثواب الوالدين حتى بعد موتهما، تشملهما بركة قرباته، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) [رواه مسلم] .

ـ الحرص على تمثل القدوة الحسنة بتعويدهم على الصدق والعدل، وأعظم قدوة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ثم الوالدين؛ فمن الطبيعي أن يقلد الطفل والديه في السنوات الأولى من عمره، وهو ضرورة في بناء أسس شخصية الطفل ومعالمها البارزة.

ـ نظافة البيت من مسبباب الإفساد والفساد، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم: 6].

فالوقاية من النار إنما تكون بالأمر والنهي والتربية حتى ينجوا من عذاب جهنم، قال القرطبي رحمه الله في كتابه الجامع: (فعلى الرجل أن يصلح نفسه بالطاعة، ويصلح أهله كإصلاح الراعي الرعية).

ـ عناية الله وحفظه لأبناء الصالحين، قال عمر بن عبد العزيز: (ما من مؤمن يموت إلا حفظه الله في ولده وولد ولده والدويرات التي حوله فما يزالون في حفظ وستر ) 3.

رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا.


[1] عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، ص 328.
[2] رواه الطبراني عن كعب بن عجرة.
[3] ابن رجب الحنبلي، جامع العلوم والحكم، ص 467.