أكتب مستنهضا في نفسي أولاً همة الخير قبل الغير..
أكتب مساهما في هذه الدعوة المباركة، في هذه الحملة المباركة. أكتب من موقع الواجب وليس التفضل والتكرم، أكتب طامعا في رضا الله متدرجا في مسالك مراقي التعلم..
وما أجمل قول النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: “لَقَدْ شَهِدْت فِي دَارِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبّ أَنّ لِي بِهِ حُمْرَ النّعَمِ، وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْت” [ابن هشام: 1/133].
فليتنا نستدرك ما فاتنا ونحن بعيدون مبتعدون عن بعضنا البعض، ونتعاون لما فيه خيرنا وصلاحنا..
فالله الله في الرحم الدعوية التربوية، الله الله في رحم خدمة الدين ورسالة سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين..
من الواجب على المسلمين في كل مكان وخصوصاً في الغرب أن يبلغوا العالمين دعوة الحب.. دعوة النور والإشراق، وأن يرفعوا راية هداية رسول الله في الآفاق بعد أن ترفع منهم في الأعماق..
لا يخفى على أهل علوم الاجتماع البشري بكل تلاوينه أن الغرب قد ضرب في مقتل، طعن طعنة الموت في مفاهيم الرحم..
قتلت أو بدأت تموت فيه تترى؛ أمومة وأبوة وعمومة وخؤولة، تجف ينابيع الأصول والفروع تباعاً ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..
ما العمل!؟ ما الحل؟!
طالما اختزلنا نظرتنا لموضوع صلة الرحم في الإطار الأكثر ضيقاً وانسداد أفق..
إنه أوسع من كل ما كنا نتصور!
إن الانتباه إلى هذا الجانب يشكل طوق النجاة وطريق الوقاية من آفة هي من الأمراض التي تكاد تكون الأخطر.. أعني التفكك والفرقة وضياع الصلات وغياب التعارف والحوار..
علينا أن نحرص على مسألة التماسك الأسري في السياق الغربي. لقد بدأنا نتأثر كثيراً بنمط الأمركة والفردانية التي تسري بين الناس سريان النار في الهشيم؛ مدمرة ملتهمة كل صلة ورابطة..
يجب أن نضبط بوصلة القلوب والأرواح، فلا نطلب في حركاتنا وسكناتنا غير رضا الله الفتاح. نحتاج أن نستعيد وعينا العميق بخطر ما يتهدد الأرحام وأولي الأرحام.. صلة الرحم صمام الأمان من التشتت والتيه، لأن الأسرة هي المحضن والملجأ.
حينما نتزاور لله وفي الله ونتجالس في الله ولله، فنحن نبلغ ضمنيا دين الله، لحظة ومدة التزاور تشكل مدرسة متنقلة في الزمان والمكان، بحيث تنتقل فيها القيم والأدب وحسن الخلق وطبيعة الحديث الذي يشكل وعي الأجيال ويغذي الفكر ما دمنا نجتنب فيها المخالفات الشرعية قولية وفعلية وحتى فيما يتعلق بالأحوال..
وأنعم وأكرم بمجالس يجتمع فيها طهر المكان وبركة الزمان وخير الإخوان..
وبعد هذا كله تأتي تلقائياً دعوة الحال؛ فقد جبلت القلوب فطريا على تعشّق الكمالات، إن أقمنا هذا المعنى في أنفسنا وبيوتنا وأهلينا، فلا أرى الشعوب إلا مقبلة علينا كي نتعاون على حمل عنوان هذه الأخلاقية الروحية العالية ماضين على درب السعادة والأخوة والخير الكثير..
وهذا أفق حضاري كوني واسع تحدث عنه الكثير من أهل الفضل والصلاح والإصلاح، ولطالما بشر به الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله متحدثاً بشكل عميق عن معاني ودلالات مفهوم الرحم الآدمية..
فاللهم صلنا في من وصلتهم، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين – آمين.