ثانيا: مؤلفات في سجن لعلو: (1983-1985)
كتب في سجن لعلو وعلى ضوء الشمع مجموعة كتب، فبالإضافة إلى عكوفه على تلاوة القرآن الكريم وتدبره، “إذ كان يختمه يومياً في جلسة واحدة طوال الأشهر الستة الأولى، وكان منصرفاً إلى الذكر والقيام والصيام ومطالعة الكتب والتأليف” 1، ألَّف في هذه المرحلة ثلاثة كتب هي: “مقدمات في المنهاج” و”الإسلام والقومية العلمانية” و”الإسلام وتحدي الماركسية اللينينية”، يستأنف بها تأليفه في قضايا الإسلام ومستقبله التي بدأها قبل السجن. وهي في الأصل أجزاء لكتاب واحد اسمه “اقتحام العقبة” انتهى منه يوم 19 ماي 1985م، وبعد الانتهاء منه قرر تقسيمه إلى ثلاثة كتب، وهي:
1. – كتاب “مقدمات في المنهاج”
أُلف الكتاب في السجن، وطُبع بعده، وبالضبط في سنة 1989م التي سيحاصَر في اليوم الأخير منها، وقد خصص هذا الجزء للمفاهيم، ليُعرف القارئ بمفاهيمه حتى يسهل التواصل معه، ووعيا منه بأهمية المفهوم والنسق المفهومي عنون الفصل الأول بـ”مفاهيم”، وعرَّف فيه بثلاثة مفاهيم أساسية في نظريته، وهي: “اقتحام العقبة”، و”الرحمة والحكمة” و”النداء والاستجابة”، وخصص الفصل الثاني لمفهوم “منهاج”، والثالث لمفهوم “اقتحام العقبة إلى الله عز وجل”.
لقد كان واعيا بأن التحدي في التواصل العلمي والفكري بين المفكرين الإسلاميين يبدأ بالقدرة على “تقديم رؤية واضحة للواقع الحاضر المتقلب المستعصي على التغيير، ثم قدرتهم على تقديم رؤية واضحة لأهداف الإسلام في الميادين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحضارية وفي كل الميادين، ثم خاصة قدرتهم على انتزاع إمامة الأمة من الأيدي المتسلطة، ومن الأفكار الإيديولوجية التي تبرر واقعا حاضرا أو تبشر بمستقبل يزيغ بالأمة عن طريقها إلى موعود الله لها بالخلافة في الأرض والسيادة والعزة” 2.
ونبه بقوة وتركيز إلى آفات الاستسلام والقعود والاستقالة، وأسبابها الذاتية والموضوعية المانعة من التحرر والبناء والاستقلال، بل مانعة من سماع صوت الفطرة ونداء الوحي، حيث يقول: “تقطن أسباب الاستسلام والرقود الخامل والتنازل عن الحرية في الجذور النفسية العقلية الاجتماعية السياسية التالية:
-1 الأنانيات: كل فرد شغلته نفسه وشهواته، أو أمواله، أو جاهه الاجتماعي، أو وظيفته يريد الرقي فيها، إلى ما شابه.
-2 الذهنيات: وعي للواقع مجانب، خرافية، جبرية، جهل، تضليل إيدلوجي.
-3 العادات: التصاق بالمألوف الساكن، بالترف، رضى بالواقع، خنوع موروث” 3.
وكلما تمكنت هذه الآفات من النفوس أصابتها الفتن المانعة عن اقتحام العقبات، وفقدت حريتها، وتحولت الأمة إلى كيان ضعيف مفتون، فـ”مادامت هذه المعاني الفتنوية جاثمة في النفوس، قابعة في العقول، مفروضة في الواقع، فما للإنسان إلا حرية الجبناء، ما له إلا القناعة بالأمن المهين، أمن الرعية التي لا كلمة لها ولا شأن ولا رأي. مع الذهنيات البليدة، والأنانيات الانفرادية، والعادات المكدسة ما للإنسان إلا أن يرضى بوجود الجماد والحيوان الداجن، يتصرف فيه غيره، تفكر له الدولة، ترعاه، تدللـه إن كان منها وإليها وتغنيه، أو تهدي إليه وعودا وتزف له أناشيد وطنية. بضاعة في السوق لا إنسان حر فاعل” 4.
2. – كتاب “الإسلام والقومية العلمانية”
وهو الجزء الثاني من كتاب “اقتحام العقبة”، ولم يُطبع إلا سنة 1989م قُبيل فرض الحصار، ويقع في 176 صفحة دوَّنها الأستاذ في شهر ونصف تقريبا، ووزعها على أربعة فصول كالآتي: اللسان العربي- التراث والأصالة والتحديث- جذور العلمانية- القومية. والكتاب عبارة عن حوار علمي من وراء أسوار السجن مع النخب المثقفة والعلمانية في القضايا التي تثير أسئلة وإشكالات فكرية وأخلاقية وسياسية وثقافية، من قبيل مسألة اللغة الوطنية، ومسألة التراث والموقف منه، ومسألة التحديث والحداثة، ومسألة فصل الدين عن الدولة، ومسألة القومية العربية… ونجد الرجل منافحا عن اللغة العربية بوصفها لغة القرآن الكريم القادرة على مواكبة التطور العلومي والتقني، ومدافعا عن التراث العلمي بوصفه مرجعا علميا وثقافيا للأمة الإسلامية، ومنتقدا جذور العلمانية وأهدافها مميزا فيها بين سياقين مختلفين، هما السياق النصراني والسياق الإسلامي، وكاشفا مزالق القومية العلمانية في معاداتها للإسلام وهجومها عليه. في الوقت الذي تحتاج فيه الأمة إلى بذل الجهود ورص الصفوف في بناء الكيان الذاتي وامتلاك القوة الكافية، قال: “جهودنا فينبغي أن تنصرف أولا إلى البحث العلمي في كليات الدين، وإلى الاجتهاد في وضع الإطار القانوني الإسلامي لحاضر ولغد يعجان بالغرائب، وينبغي أن ينصرف لاكتساب العلوم التجريبية وتوطين التكنولوجيا والاستقلال بها” 5.
3. كتاب “الإسلام وتحدي الماركسية اللينينية”
هذا الكتاب هو الثالث من مؤلفات سجن لعلو، ويعالج إلى جانب الكتاب السابق موقف الإسلام من إديولوجيات طارئة على الثقافة الإسلامية، اقتنعت بها نخبة فكرية جديدة من الشعب المغربي، هي نخبة العلمانيين والماركسيين. مع العلم إن كل ماركسي فهو علماني وليس كل علماني ماركسيا بالضرورة.
وقد حاور فيه الفكر الماركسي نظرا وممارسة، وكان قد اطلع عليه في مصادره الأصلية من قبل، وعمَّق اطلاعه في سجن لعلو، وحاجج المقتنعين به. حيث عرض في الكتاب النظرية الماركسية في التغيير على المنهاج الإسلامي في كلياته ومطالبه ومقاصده، وناقش مضامين وأدبيات الفكر الماركسي وأطروحاته بخصوص جملة من القضايا. دون أن يمنعه ذلك من الاعتراف بنباهة كارل ماركس وانتباهه إلى أسباب الظلم ووجوب مقاومته، وإلى أهمية العدل في النهوض بالأمم، ومركزية المسألة الاجتماعية في حياة الفرد والدولة، يقول: “في المسألة الاجتماعية تكمن أسباب الزيغ والانحراف، في وجود الفقر في جانب والغنى في جانب، في تركب الظلم السياسي على التفاوت الطبقي وتولد هذا من ذاك وفي المسألة الاجتماعية تكمن الغيوم المظلمة التي تلبد سماء النفوس والعقول، فتتعتم الطريق وتتقتم” 6.
كما وجه الكتاب نداء إلى المسلمين قصد إيقاظ العقل المسلم للاهتمام بالشأن الاجتماعي والاقتصادي الذي عليه مدار التغيير الحقيقي للمجتمعات، حيث “جعل الله الحافز المادي دعامة من دعائم الإيمان، لا اكتمال للإيمان في نشوئه وحركته إلا بها. في مقدمة خطوات اقتحام العقبة فك رقبة، وإطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة: أرأيت هذا الحنو على حالة المقهور والجائع؟ أرأيت التهمُّم باليوم الشديد والمسغبة الشاغلة؟” 7 مع حفظ الفرق بين الإسلام والماركسية من خلال جواب عن سؤال: “أثوريون نحن أم إصلاحيون؟ فأجاب قائلا׃ لا إصلاحية ولا ثورية لأنهما ممارستان من غير وادينا” 8.
– مقدمة أخرى لكتاب المنهاج النبوي
وقد ضاعت هذه المقدمة لما صادرتها السلطة من يدي الأستاذين محمد العلوي وأحمد الملاخ بعد اعتقالهما في فبراير 1984م. ولا ندري مضامينها. وقد تكون هي نفسها مضامين الطبعة الثالثة للكتاب. والله أعلم.
[2] ياسين، عبد السلام. مقدمات في المنهاج، مرجع سابق، ص 30.
[3] المرجع نفسه، ص 69.
[4] المرجع نفسه، والصفحة.
[5] ياسين، عبد السلام. الإسلام والقومية العلمانية، دار الخطابي للطباعة والنشر، الدار البيضاء، ط1، 1989م، ص 35.
[6] ياسين، عبد السلام. الإسلام وتحدي الماركسية اللينينية، ص 8.
[7] المرجع نفسه، ص 12-13.
[8] المرجع نفسه، ص 123.