تحل علينا 8 مارس لهذه السنة بطعم العنف الممنهج الذي لا يستثني النساء، فنرى على الهواء مباشرة كيف أصبح ضرب المرأة وسحلها في الشارع في المظاهرات أمرا عاديا، لم تعد الآلة القمعية تتورع عن فعله كلما سنحت لها الفرصة، لتعبر بالفعل أن خطابات تمكين المرأة واحترامها تبقى مجرد شعارات مناسباتية توظف كصورة بعيدة كل البعد عن الواقع. صورة أخرى للعنف تنقلها لنا حادثة إحراق مي فتيحة رحمة الله عليها لنفسها بعد أن استشاطت غضبا من المعاملة الظالمة للمخازنية مما أفقدها صوابها. ومع هذه الأحداث، وقبلها وبعدها الكثير مما سجل ومما لم نطلع عليه، يظهر رجال الأمن كأداة قمعية تسلطية لا تخطئ رجلا ولا امرأة، فأهلا بالعنف يعري كل الشعارات.
صورة أخرى تظهر المرأة خزانا انتخابيا تستغله الأحزاب في آخر لحظات الاقتراع بحملات قوامها أكل وشرب ورقص، مستغلة الجهل المتفشي وانعدام الوعي السياسي لديهن، في حين أن المفروض في هذه الأحزاب أن تكون مؤطرة لهن وجاعلة منهن قوة فاعلة وليست مفعولا بها مما يزيد من تكريس واقع النفور من السياسة.
الصورة التالية تطالعنا من باب سبتة حيث نساء التهريب المعيشي تعانين أنواعا شتى من الإهانة الحاطة من كرامتهن على مرأى ومسمع من السلطات المسؤولة ودون أن تحرك ساكنا، تنضاف إليهن أخواتهن المشتغلات في ضيعات بنظام إقطاعي وعاملات في معامل صناعية يدا رخيصة بأجور زهيدة وبفترات عمل لا تراعي الساعات المتعارف عليها في الدول التي تحترم مواطنيها، بائسات أصبحن كآلات صماء بلا وقت للحياة الخاصة ولا قدرة مالية ولا حقوف ولا من يدافع عنهن أو يحرك ساكنا.
وتتناسل الصور ونلتقط منها حال النساء الحوامل اللاتي قضين نحبا في طريقهن للمستشفيات أو ولدن على الرصيف بمقربة من أبوابها كالقطط الضالة، وفي أحسن الأحوال داخل جدرانها على البلاط أو أسرة مهترئة وخدمة طبية شحيحة ومعاملة دون المستوى، مما يدفعنا للتساؤل أين الصحة الإنجابية للمرأة والشعارات التي ترفع والواقع لا يرتفع؟
وتطالعنا صورة أخرى لإعلام لا يقوم بواجبه في التوعية والتأهيل، ونسبة البرامج من هذا النوع تكاد تكون منعدمة لصالح برامج ترفيهية بمستوى منحط، وتختزل البرامج الموجهة للمرأة في الطبخ وعالم الموضة والأزياء والجمال والتجميل ومسلسلات مدبلجة بقيم رخيصة ومحتوى مبتذل، وكل ذلك يكرس لدى المرأة أن قيمتها في شكلها، وحتى البرامج الاجتماعية غالبا ما تكون اجترارا للواقع مرسخة له بدون عمق في التحليل وملامسة حقيقية للظواهر المجتمعية، بل تكون مناسبة للتفريغ العاطفي البحت ومن تم الإلهاء عن المشاكل الحقيقية.
نكتفي بهذا القدر من صور البؤس التي تعري هشاشة واقع المرأة المغربية في ظل نظام فاسد ومستبد لا يحرك ساكنا لوضع سياسات اجتماعية لتمكين المرأة من مقتضيات العيش الكريم، بل على العكس يعمل جاهدا لتنحدر وضعيتها أكثر فأكثر؛ فالقمع يتنامى والرأسمال يتغول بسن قوانين جديدة لصالحه والبنية التحتية تتدهور والخدمات الصحية وغيرها تسير من سيء لأسوء والإعلام يكرس الصورة النمطية للمرأة ويلهيها عن مآسيها، ومع كل ذلك لا يخجل مخزننا من رفع شعارات باسمها ليغطي سوأته، وهل تكفي الشعارات؟؟؟