اعتبارا لآثاره الكبيرة وارتداداته المطردة على أكثر من واجهة ومستوى، استحق طوفان الأقصى صفة الكاشف الفاضح، وحاز يوم السبت 07 أكتوبر 2023 صفة الفرقان، فقد أكدت تطورات الأحداث – والعسكرية واحدة منها – أن ما بعد هذا اليوم يختلف عما قبله، وأن عقارب الساعة لن تعود للوراء، فالعالم وليس غزة أو فلسطين أو المنطقة تستقبل عهدا مختلفا عما كانت عليه الأمور قبل يوم الفرقان هذا.
لقد أبان تسارع الأحداث عن سلسلة من التساقطات تأكيدا لمصداقية قرار اجتياح رجال المقاومة الفلسطينية لغلاف غزة ودون مقدمات، وهو ما أربك أجهزة الاحتلال الأمنية والعسكرية، فساق الله من الأحداث ما كان، وما خفي أعظم. وتحريا للقصد، نورد نماذج من السقوط التي كشفها طوفان الأقصى.
1. سقوط وهم القوة التي لا تقهر، فقد اكتشف المهزومون نفسيا أن بيت الكيان الغاصب أوهن من بيت العنكبوت؛ وهْمُ قوة اشتُغل عليه لتسويغ التطبيع مع الكيان باعتباره قوة يمكن الاحتماء بها أو تجنب شرها. قوة وهْم تبين أنها لا تقوى على الصمود أمام المقاومة لولا الدعم الخفي والعلني لداعمي الكيان الغاصب، وهو ما أحال العدوان الغاشم على قطاع غزة عدوانا عالميا. ترى، ماذا كان يكون مصير دويلة الاحتلال لو لم تجد كل هذا الدعم السياسي والاقتصادي والإعلامي واللوجستيكي والاستخباراتي والعسكري من داعمي الكيان الغاصب؟
2. سقوط ما يسمى المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية، فقد فضح العدوان الغاشم على قطاع غزة زيف الشعارات واعتماد معايير مزدوجة، فالإبادة والتصفية العرقية غدت دفاعا عن النفس، ومقاومة الاحتلال أضحت إرهابا، ودعم العدوان بالأسلحة الفتاكة أمسى انتصارا للسلم والديمقراطية. سقوط وهْم يعيد طرح السؤال حول مصداقية منتظم دولي يحمي نظاما امبرياليا أفرزته مخرجات الحرب العالمية الثانية انتهت صلاحيته.
3. سقوط السردية الصهيونية القائمة على غصب أرض الشعب الفلسطيني ومصادرة حقه في الوجود على أرضه؛ سردية بُلورت على مدى عقود، وسُخرت لتثبيتها جهود وأموال طائلة، انهارت على حين غرة، وأفلست لتكتشف الشعوب الغربية وأجيالها الشابة تحديدا أن الشعب الفلسطيني هو صاحب الحق والأرض، وأن الكيان الإسرائيلي محتل غاصب.
4. سقوط وهْم المسار التفاوضي الذي تم تسويقه بديلا “واقعيا” لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي؛ مسار تفاوضي عبثيٌّ أتى على ما بقي من أرض وحقوق، بل وأحال ما يسمى السلطة الفلسطينية ذراعا أمنيا للاحتلال وصمام أمنه من عمليات المقاومة.
5. سقوط وهْم مشاريع التطبيع، إذ بعد ما ظن دهاقنة الكيان الصهيوني أن الجو خلا لهم لتنزيل مخططات الهيمنة، استفاقوا على حقيقة أن الحقوق لا تتقادم وأن الباطل زبد إلى زوال، وأن بعد دياجير العسف والطغيان فجر الحرية والانعتاق.
وبموازاة مع سلسلة السقوط التي أتينا على ذكر بعضها، ينبري النموذج المقاوم الذي أدهش بثباته مقاومةً وحاضنةً شعبيةً العالمَ، إذ كيف لشعب في قطاع غزة على ضيقه محاصر برا وجوا وبحرا منذ حوالي العقدين من الزمن أن ينجح ليس في بناء ترسانة أسلحة أنكهت جيشا مدعوما بأعتى الأسلحة الغربية ومنظوماته الاستخباراتية فقط، بل أذهل في تأهيل الشعب تأهيلا إيمانيا استثنائيا ملؤه الرضا بقضاء الله وقدره؛ ترجمته عبارات الحمد واحتساب ما اقترفه العدوان الغاشم من مجازر وبشاعات في حقهم قرابين لتحرير القدس أولى القبلتين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ عبارات كان لها منسوب كبير من التأثير في نفوس فئات واسعة من شباب الغرب الذين سارعوا لاعتناق الإسلام، وندبوا أنفسهم للترافع والدفاع عن عدالة قضية شعب فلسطين.
فلله دركم أهالينا في غزة العزة على ما بذلتم وتبذلون من تضحيات تؤسس لتحرر البشرية من نَيْر الاستكبار الذي يعتبر الكيان الإسرائيلي الغاصب رأس رمحه. والخزي والعار لكل داعم ومطبع مع أعداء الأمة الإسلامية، بل والبشرية جمعاء. والحمد لله رب العالمين.