بعد أكثر من 15 شهرا من صمود الكرامات لشعب غزة ومقاومته الباسلة، أمام آلة القتل الصهيونية الهمجية المدعومة بشكل مطلق من قوى الاستكبار العالمي وحلفائه المحليين من أجل إخماد المقاومة وتصفية القضية الفلسطينية، تمكن الصامدون المرابطون في غزة، بفضل الله تعالى، من إجبار العدو الغاشم على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار والرضوخ لمعظم شروط المقاومة.
لقد فشل الكيان المغتصب في تحقيق أي من أهداف حربه العدوانية، فما استطاعوا أن يهجروا أهل غزة، وما استطاعوا أن يسترجعوا الأسرى، وما استطاعوا القضاء على المقاومة ونزع سلاحها، وما كان لهم سوى أن قتلوا الأطفال والنساء ودمروا البيوت والعمران. وبذلك تكون معركة السابع من أكتوبر بحق يوم انطلاقة ملحمة العزة والكرامة ليس للفلسطينيين فحسب بل للأمة جمعاء.
لقد أعاد طوفان الأقصى بوصلة التاريخ إلى اتجاهها الصحيح من خلال رد الاعتبار إلى القضية الفلسطينية، فقد أثبت بحق، كيف ينصر الله فئة قليلة إن صبرت ورابطت على الحق، مسلحة بالإيمان، وقوة الاقتحام واليقين في موعود الله بالنصر كما جاء في محكم كتابه الحكيم “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ” رغم تآمر المستكبرين وتواطؤ المطبعين المتخاذلين.
إن صمود الفئة القليلة في غزة وانتصارهم على معسكر الصهاينة وحلفائهم، لدليل قاطع على قوة هذه الأمة بقوة اليقين والإيمان الهائل الذي تمتلكه، إن هي صدقت في التوكل على الله الكريم الوهاب، إيمانا واحتسابا وبذلا لأقصى الجهد في الأخذ بالأسباب المتاحة، وهو ما يؤكد قدرتها على أخذ المبادرة والنصر بفضل الله.
إن بركات طوفان الأقصى وآثاره الإيمانية والسياسية والاجتماعية على الأمة جمعاء، لن تتوقف بإذن الله في أفق إحداث تغيرات مهمة في المنطقة تؤثر على موازين القوى لصالح الأمة المستضعفة وقواها الحية الفاعلة، وأن ما بعد 7 أكتوبر لن يكون كما قبلها، خيرا وبركة بإذن الله العزيز الرحيم.
فكل التهنئة والمباركة للشعب الفلسطيني الشقيق، وخاصة أهلنا في غزة وفي مقدمتهم إخوتنا في المقاومة الفلسطينية على هذا النصر المبارك، بعد الصمود والثبات التاريخي.
كما والتهنئة لكل من دعم المقاومة في الأمة العربية والإسلامية، وكل أحرار العالم على هذا الانتصار الذي تغلب فيه الإيمان على الضلال المبين، والحق على الباطل، وصوت الإنسانية على معسكر الظلم والعدوان والإجرام والإبادة.
إن القضية الفلسطينية هي قضية الأمة الإسلامية جمعاء وهي أمانة تحتضنها وتتحملها الأجيال التي ينبغي أن تنهض من أجل استرجاع وتحرير فلسطين والقدس من دنس الصهاينة وأذنابهم؛ وممن يدعمهم من المطبعين المستبدين.
إن الواجب الآن على أبناء أمتنا العربية والإسلامية وعلى كل أحرار العالم ومنظمات الإغاثة الإنسانية، الإسراع إلى تقديم الدعم والإسناد والعون للشعب الفلسطيني للتخفيف من معاناته والإسهام في مجهود إعمار ما خربته آلة الدمار الصهيونية، فعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: “قال رسول الله ﷺ مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.
وإنه على الجميع، وخصوصا المنبهرين بالصهاينة والمادين لهم أيادي الخنوع والاستسلام من بني جلدتنا، أخذ الدروس والعبر من الاندحار الصهيوني رغم جبروته وطغيانه وترسانته العسكرية أمام قوة الحق والصمود والإرادة.
وعلى السلطة المغربية ضرورة الإنصات إلى نبض الشعب، وقواه الحية وإيقاف التطبيع مع الكيان، والتوقف عن التضييق على مناهضي التطبيع بالأشكال المختلفة.
والدعوة لأحرار العالم التواقين للحرية والكرامة إلى الاستمرار في التعبئة والعمل على محاصرة الإجرام الصهيوني عبر توثيق جرائمه، وملاحقة المجرمين ومتابعتهم وفق القوانين المحلية والدولية، فالجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم.
نسأل العلي الكريم أن يرحم الشهداء الذين ارتقوا في هذا العدوان في غزة وفلسطين، وفي كل ساحات الدعم، وأن يتقبلهم بقبول حسن، ويكتبهم مع النبيئين والصديقين والشهداء، وأن يعجل بالشفاء للجرحى، ويتولى الأيتام والأرامل، وييسر سبل الإعمار والعمران، إنه نعم المولى ونعم النصير.
اللهم زدنا إيمانا وتسليما، والحمد لله رب العالمين.