4- الانشقاق الأول للكنفدرالية الديموقراطية للشغل وتأسيس الفدرالية الديموقراطية للشغل
إن مسلسل الانشقاقات لن يتوقف عند هذا الحد بل سيتبع كل انشقاق سياسي انشقاق نقابي، هذه المرة وفي سابقة هي الأولى من نوعها في المغرب أسست نقابة الكونفدرالية الديموراطية للشغل (بقيادة كاتبها العام محمد نوبير الأموي ونائبه عبد المجيد بوزوبع وأغلب النقابيين المنسحبين من المؤتمر السادس لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ضمن ما سمي آنذاك بالحركة التصحيحية) حزبا جديدا هو المؤتمر الوطني الاتحادي في 21 أكتوبر 2001 حيث سينتخب عبد المجيد بوزوبع أمينا عاما له.
ويرجع أغلب المتتبعين بداية الانشقاق إلى المؤتمر الرابع للكونفدرالية الديموراطية لشغل الذي انعقد بمدينة العيون أيام 14 و15 و16 مارس 2001، أسبوعين قبل انعقاد المؤتمر السادس لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مما اعتبر عملية استباقية لتأمين مستقبل النقابة بتزكية المحسوبين على تيار الأموي في مراكز القرار الكونفدرالي وإزاحة التيار الموالي لليازغي.
توالت الأحداث لتنتقل من مجرد خلاف إلى صراع على المواقع انطلق مع أحداث أكدير؛ فحسب تقرير أعده المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديموقراطية للشغل يوم 17 فبراير 2002 “وصل عدد كبير من الأشخاص المنحرفين وذوي السوابق مدججين بمختلف الأسلحة البيضاء من سكاكين وسلاسل وقضبان حديدية وعصي وسيارة تحمل أكياسا من الحجر فبدأ الهجوم على المقر، وقد أصيب عدد من الحضور إصابات خطير فمنهم من كسرت رجله ومنهم من كسر أنفه ومنهم من أغمي عليه”. وقد نشرت الصحافة الوطنية تفاصيل الأحداث موثقة حيث سعى كل طرف إلى اتهام الطرف الآخر، وقد انتقل الصراع إلى مواقع أخرى كتطوان وطنجة والرباط وغيرها من المدن؛ إلا أن الصراع الأبرز كان داخل النقابة الوطنية للتعليم حيث تم طرد عبد الرحمان شناف (جناح الاتحاد الاشتراكي)، ليرد هذا الأخير باللجوء إلى القضاء ويرفع دعوى استعجالية ضد عبد السلام بن صالح (جناح المؤتمر الوطني الاتحادي) باعتباره الداعي إلى مؤتمر استثنائي للنقابة الوطنية للتعليم.
وفي تصريح لصحيفة “كازا بلانكا” حول أسباب الصراع قال عبد الرحمان الشناف: “خلال كل مؤتمر كان المكتب التنفيذي والكاتب العام للكونفدرالية الديموقراطية للشغل يحاولون التدخل لفرض الأجهزة المولية لهم بهدف احتواء النقابات الوطنية وإصدار بلاغات باسمها بل وصلت بهم الوقاحة إلى تزوير خاتم النقابة الوطنية للتعليم. إن ما يستنتج من كل هذا أن الكاتب العام يسعى للاستيلاء والهيمنة على أجهزة الكونفدرالية وتحويلها إلى حزب كما يسعى إلى (مركزة) المقرات وبطاقات العضوية، وباختصار (مركزة) كل القرارات بيد المكتب التنفيذي والكاتب العام بصفة خاصة” 1 .
أما عبد السلام بن صالح فقد رد قائلا “الفرق بيننا هو أن هناك جناحا يساند الحكومة بشكل أعمى، وجناحا يساند ما هو إيجابي ويتحفظ على ما هو سلبي. وعبد الرحمان الشناف يمثل الجناح الأول، فهو ليس سوى الأداة المنفذة لتعليمات يمليها عليه الطرف الآخر في أفق تأسيس مركزية نقابية بديلة عن الكونفدرالية الديموقراطية للشغل وستظهر لكم الأيام ذلك” 2 .
لقد كان حدس الرجل صائبا حيث سيؤسس الاتحاد الاشتراكي يوم 4 أبريل 2003 نقابة الفدرالية الديموقراطية للشغل لكن الرجل لم يكن يعلم أنه سيتحمل مسؤولية الكاتب المحلي لنفس النقابة بمدينة طنجة بعد أن اختلف مع رفاقه في الكونفدرالية واستراح قليلا بالمنظمة الديموقراطية للشغل ليستقر بالفدرالية.
5- الانشقاق الثاني للكنفدرالية الديموقراطية للشغل وتأسيس المنظمة الديموقراطية للشغل
إن المؤتمر الوطني الاتحادي سيعرف بدوره انشقاقا آخر، حيث سيؤسس عبد المجيد بوزوبع القيادي الثاني في الكونفدرالية الديموقراطية للشغل، والذي يشغل في نفس الوقت مهمة الأمين العام للمؤتمر الوطني الاتحادي حزبا جديدا هو الحزب الاشتراكي ونقابة جديدة هي المنظمة الديموقراطية للشغل يوم 05 غشت 2006 بقيادة علي لطفي؛ وذلك بعد تقديمهم استقالتهم من اللجنة الإدارية التي انبثقت عن المؤتمر الوطني المنعقد أيام 10 و11 و12 مارس 2006. واعتبروا أن المؤتمر “لم ينعقد بعد والنتائج التي تمخض عنها غير شرعية”.
وقد توصلت وكالة المغرب العربي للأنباء ببيان الجمع العام التأسيسي وببلاغ من الأمين العام للحزب الاشتراكي عبد المجيد بوزوبع يعلن فيه استقالته من اللجنة الإدارية بسبب ما أسماه “جملة من الخروقات التي شابت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر وإقصاء بعض المؤتمرين من الحق في حضور أشغاله رغم انتخابهم بفروعهم بطريقة ديمقراطية وكذا إغراق المؤتمر بأشخاص يفتقدون للصفة الشرعية كمؤتمرين، إضافة إلى مصادرة الحق في التعبير عن الرأي واستعمال العنف ضد مناضلات ومناضلين والعصف بكل أخلاقيات التداول الديمقراطي في النقاش واتخاذ القرارات، والتراجع عن المواقف المبدئية والنضالية والانصهار في السياسة الرسمية للحكومة والتهليل لها عبر سلم اجتماعي، وتواطؤ مكشوف لتمرير العديد من القوانين التي تجهز على حقوق ومكتسبات الطبقة العاملة بمختلف مواقعها بالوظيفة العمومية والجماعات المحلية والقطاع الشبه العمومي والخاص؛ في إطار مخطط تدميري تفكيكي وتحريفي وصل حد الانقلاب على مشروع الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والإجهاز على هويتها ومرجعيتها وشرط وجودها، والعصف بأسس ومبادئ نشأتها وخطها النضالي والكفاحي التقدمي، من طرف جزء من قيادة مترهلة ومنحرفة، وتحويل هذا الصرح العمالي إلى وكالة للمتاجرة والسمسرة ومراكمة الامتيازات على حساب مصالح وتطلعات وأمال الطبقة الكادحة، وملفاتها المطلبية في بعديها المادي والديمقراطي”، كما أدان البيان التأسيسي “الفساد المالي الذي ظل ينخر جسم قيادة الكنفدرالية الديموقراطية للشغل، ودعا مؤسسات وهيئات المجتمع المدني المعنية بحماية المال العام والمجلس الأعلى للحسابات بفتح تحقيق وإجراء افتحاص مالي للمنظمة المذكورة”.
واعتبر علي لطفي الكاتب العام للمنظمة الديموقراطية للشغل أن الهدف من تأسيس نقابة جديدة هو “إعادة بناء المشهد النقابي المغربي الذي يواجه السكتة القلبية نتيجة الأمراض التي نخرت جسمه وهيكله، والتأسيس لفهم وتعاطي جديد مع المسألة الاجتماعية على أسس جديدة قوامها الأخلاق والفعالية” 3 .
6- انشقاق الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب وتأسيس الاتحاد النقابي للشغيلة المغربية؟
أما الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب المحسوب على حزب العدالة والتنمية فلم يعرف انشقاقات كبيرة بسبب الانكماش إن لم نقل الجمود الذي عرفه طيلة مسيرته قبل التحاق أعضاء حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية بصفوفه بداية التسعينات بسبب ما اعتبروه: “غياب فضاء ديمقراطي في مركزيات نقابية أخرى وبعدم تخلص بعضها من الاختيارات الإيديولوجية لمرحلة الحرب الباردة، فوجدوا ضالتهم في الإتحاد الوطني للشغل” 4 . إلا أن هذا الأخير عرف بعض الانسحابات التي تزامنت مع انسحابات من صفوف حزب العدالة والتنمية. هذه الانسحابات أكدتها مصادر صحفية وقللت من شأنها قيادة النقابة.
فقد انسحب 12 عضوا مسئولا من الاتحاد الوطني للشغل بطنجة، يتزعمهم السيد محمد السندي الكاتب الإقليمي للنقابة بالمدينة، والتحقوا بالفدرالية الديموقراطية للشغل (الاتحاد الاشتراكي)؛ حيث أصبح السيد السندي وفي ظرف أربعة أيام كاتبها المحلي بنفس المدينة عوض عبد السلام بنصالح الكاتب السابق للاتحاد المحلي للفدرالية بعد التحاقه بها قبل أسابيع، بعد أن انشق هو الآخر عن المنظمة الديموقراطية للشغل قادما إليها من الكونفدرالية الديموقراطية للشغل، وقد اكتفى بالنيابة رغم رمزيته التاريخية بالمدينة والنقابة والحزب.
وفي بيان موجه إلى الرأي العام، أرجع محمد السندي أسباب الاستقالة إلى ما أسماه: “غياب العمل النقابي السليم داخل لاتحاد الوطني للشغل نتيجة الخلط بين العمل السياسي والدعوي والنقابي، وأن احتجاجهم لم يغير من سلوكيات بعض الوجوه الحزبية التي كانت تفرض عليهم الطاعة العمياء والتبعية المطلقة لمن يتحكمون في الحزب سواء على المستوى الوطني أو المحلي” 5 . وقال محمد السندي “إن اتخاذ قرار الالتحاق بالفيدرالية الديموقراطية للشغل جاء بعد تفكير وتشاور عميقين مع رفاقه النقابيين المستقيلين”. وأضاف “انشغالنا الأول كان هو الالتحاق بمركزية نقابية، إذ يمكن ممارسة عمل نقابي سليم، هدفه الرئيسي يتمثل في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة”، واعتبر أن “الوازع الذي حركنا يتمثل في إرادة توحيد صفوف الطبقة العاملة في إطار تنظيمي قوي يمكن من ممارسة العمل النقابي بشكل فعال من أجل الدفاع عن حقوق العمال” 6 .
وقد أصدر محمد يتيم الكاتب العام للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب يوم الثلاثاء 10 مارس 2009 بيان حقيقة حول دواعي استقالة السيد السندي أكد من خلاله “لم يسبق للسيد السندي أن اشتكي خلال السنوات الست التي انتمى فيها للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، أو طرح في لقاءات المكتب الوطني أو خلال زيارات الكتابة الوطنية أي شكوى من نوع الافتراءات الواردة في البيان، وكان الأولى لو كانت الأسباب الحقيقية للاستقالة ترتبط بالتسيير والعلاقات الداخلية للاتحاد، أن يكون المعني بالأمر قد طرحها في اللقاءات الشهرية للمكتب الوطني، أو بين أنظار الكتابة الوطنية، أو على هيئة التحكيم، ولا ندري كيف ظل السيد السندي صامدا طيلة هذه السنوات قبل أن تتكشف له الحقائق فجأة ومنها الديمقراطية الصورية والخلط بين الدعوي والسياسي وتسخير العمل النقابي لأهداف وطموحات سياسية شخصية، والتحكم في العمل النقابي والسياسي من خارج الإطار النقابي والسياسي. إننا نؤكد تأكيدا جازما استقلالية قرارات الاتحاد واستقلال هيئاته عن أي توجيه حزبي أو حركي، وهو ما يعرفه السندي حق المعرفة، وكانت النزاهة الخلقية والفكرية، والعشرة الطويلة تقتضي أن لا يقحم الحزب أو الحركة في خلاف نقابي لو كان هناك خلاف في الأصل، ونتحداه أن يأتي بواقعة واحدة تثبت ارتهان القرار النقابي لجهة خارج الإطار النقابي، وكانت المروءة والمصداقية تقتضيان حتى في حالة الخلاف في التقدير في منهج العمل النقابي قدرا من الإنصاف وعدم تقديم الفرصة للمتربصين بالحزب والنقابة من أجل استغلاله وتوظيفه في لعبة أكبر من السيد السندي نفسه والحقيقة أن السيد السندي ما فتئ يدعو ويطالب بتفعيل الشراكة بين النقابة والحزب لدعم العمل النقابي في مختلف المحطات، كما أنه ما فتئ يلجأ إلى طلب مساندة برلمانيي الحزب للدفاع عن العمال المطرودين في طنجة”.
كما أعلن أعضاء الجامعة الوطنية للإسكان والتعمير انسحابهم التام والنهائي من نقابة لاتحاد الوطني للشغل. وأوضح محمد رفوق الكاتب العام السابق للجامعة خلال ندوة صحفية أن الأسباب التي تقف وراء هذا الانسحاب تعزى بالخصوص إلى “التناقضات بين مبادئ المرجعية والحقائق المعاشة داخل الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب وخاصة بعد المؤتمر الذي انعقد بالجديدة سنة 2005 والذي غابت عنه أدنى أساليب الشورى والديموقراطية بل إنه ساهم في تكريس انقلاب أبيض ضد المناضلين غير المحسوبين على تيار حركة التوحيد والإصلاح حيت باشر الكاتب العام الجيد -محمد يتيم- سياسة تطهيرية ممنهجة في حق كل المناضلين الأولين بمن فيهم مؤسسي هذا التنظيم” 7 ، من جهة أخرى أعلن محمد رفوق عن تأسيس نقابة جديدة تحت اسم “النقابة المغربية المستقلة لقطاعات البناء والإسكان والتعمير والتنمية المجالية” حيث أكد أنها “نقابة مستقلة عن أي تيار سياسي أو حزبي أو عقائدي وغير تابع لأي مركزية نقابية” 8 .
وقد أسس المنشقون عن نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، يوم الأحد 22 مارس 2009 بقاعة عبد الصمد الكنفاوي بمدينة الدار البيضاء، تنظيما نقابيا جديدا حمل اسم “الاتحاد النقابي للشغيلة المغربية” بحضور حوالي 700 مؤتمر مؤسس، من بينهم مؤسسون سابقون للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، ولم يستبعد الحسن السعد القيادي السابق في الاتحاد، تأسيس حزب جديد بعد انسحاب أعضاء النقابة الجديدة من حزب العدالة والتنمية. وقال في تصريح لصحيفة المغربية: “إن تأسيس الاتحاد النقابي للشغيلة المغربية تعبير عن تصحيح مسار داخل الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب الذي انحدر إلى ممارسات ترتكز على الإقصاء والتهميش في عملية تصفية أشرف عليها محمد يتيم الكاتب العام للنقابة بمساعدة عناصر داخل التوحيد والإصلاح.. إن الاتحاد النقابي للشغيلة المغربية مركزية نقابية تحتضن كل المنسحبين الذين يتزايد عددهم يوما بعد يوم من بينهم قياديون وازنون بالاتحاد الوطني للشغل بالمغرب وعلى رأسهم عبد الله إيسوفغ المرشح المتفق عليه لقيادة الاتحاد النقابي للشغيلة المغربية وعضو المكتب الوطني السابق وعباس حاضر عضو المكتب الوطني ورئيس جهة مراكش وبوشعيب عب المغيث رئيس نقابة الطاكسيات وعضو المكتب الوطني ورفوق وسعيد مفكر” 9 .
قبل الختم
شأنها في ذلك شأن الأحزاب السياسية، ترفع المركزيات النقابية شعار الديمقراطية، وتطالب بتطبيقها في تدبير الشأن العام، إلا أنها ترفض الالتزام بها في تسيير شؤونها، بل وتصر على تغييبها حيث نلاحظ أن جل الاستحقاقات لاختيار الأجهزة والقيادات تعتمد اعتمادا يكاد يكون وحيدا على ما أصبح معروفا بل ومألوفا لدى القواعد “الكولسة” نسبة إلى ما يجري في الكواليس، بل إن الأمر يتعدى انتخاب الأجهزة والقيادات إلى “طبخ” القرارات، لتبقى المجالس الوطنية واللجان الإدارية والمؤتمرات إن انعقدت مجرد مسرحية لإضفاء نوع من الشرعية على تلك الأجهزة والقيادات والقرارات. هذه الممارسات ليست وليدة اليوم بل لازمتها منذ تأسيس أول نقابة “الإتحاد المغربي للشغل” إلى آخر نقابة تأسست “الاتحاد النقابي للشغيلة المغربية”.
[2] نفس المرجع أعلاه.\
[3] جريدة المنبر الاشتراكي عدد 104 من 10 إلى 25 فبراير 2008.\
[4] انظر كتيب الرؤية النقابية ص 5 من إصدار الإتحاد الوطني للشغل الطبعة الأولى 2001.\
[5] جريدة الاتحاد الاشتراكي عدد 9119 بتاريخ 10/11 مارس 2009، وأسبوعية الحياة عدد 50 من 13 إلى 19 مارس 2009.\
[6] جريدة “المغربية” 10 مارس 2009.\
[7] جريدة النهار المغربية عدد 1485 بتاريخ 20 مارس 2009.\
[8] نفس المرجع أعلاه.\
[9] جريدة “المغربية” 23 مارس 2009 عدد 7222.\