لا تحبس الصلة برازخ الموت..
صدقت والله سيدي!
يحدث أن يستمر حضور الأحبة فينا عصيا على النسيان وأسوار المسافات..
حصل المقصود بوصل من أهوى..
أكتب عارفا أن الصمت وحده يرضي الجميع..
أكتب منحرفا عن مسالك المبالغة والتضييع..
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء: 58].
هي شهادة لله وكفى..
شهادة في زمن القهر والخوف والتجاهل..
شهادة في زمن اللامبالاة وعدم الإنصاف والتثاقل..
هي شهادة لله وكفى..
اللهم اجعلنا ممن تجمع بهم شمل هذه الأمة، وتجدد بهم دينها، وتحيي بهم آثار شريعتك وما أمات الناس من سنة نبيك..
اللهم وفقنا أكمل التوفيق لإنجاز الوعد، والوفاء بالعهد، وإنفاذ العقد..
اللهم ارزقنا الصدق والإخلاص في وجهتنا..
الحمد لله على نعمة الرابطة والمحبة، وصل اللهم وسلم على واسطتها سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وحزبه..
رجل ملحمة،
ملحمة تجلى فيها اسم الله الجامع!
اجتمعت فيه الجهات والمتفرقات..
الولي الصالح
المجاهد الناصح
المربي الناجح
المتاجر الرابح
المؤلف المكافح
وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ [يوسف: 67].
وادخلوا من أبواب مختلفة..
لقد طرق رضوان الله تعالى عليه أبواب حضرة مراضي الله جل جلاله من كل باب أتيح، قصد الأبواب المزدحمة، وقصد الأبواب المهجورة، بل وتفرد في بعض الأحيان حاضرا في ساحات برز فيها حاملا لواء الحق وحده..
لله دره، أي رجل كان…
ها أنا ذا أستبق الحدث بشهر..
وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ [إبراهيم: 5].
هذا عمر مبارك لرجل مبارك من رجال الله.. كل ما فيه يذكرك بالله ويدلك على الله..
يشهد عليه حاله وذوبانه منصهرا حد التماهي في منهاج رسول الله..
أسأل الله جل في علاه أن يوفق العاملين لإحياء ذكراه، وأن يجعلها موعدا مع الله، تشد فيه عزائمنا وهممنا إلى العلا والحق والهدى..
قيل إن المعري لما خرج من العراق، سئل عن السيد المرتضى رضى الله تعالى عنه فقال:
يا سائلي عنه لما جئت أسأله
ألا هو الرجل العاري من العار
لو جئته لرأيت الناس في رجل
والدهر في ساعة والأرض في دار
لا أجد في كتب الأخبار والأشعار وصفا بليغا يعبر عن هذا الرجل كهذه الأبيات..
لقد امتزج الأستاذ عبد السلام ياسين بالقرآن واصطبغ بصبغته الإلهية..
أيها الناس،
إن الأستاذ لا يزال حاضرا وسيبقى حاضرا شاهدا في مستقبل الأمة..
وليس يحدثنا عن عبد السلام ياسين كعبد السلام ياسين نفسه،
وإليكم بعض جواهره وهو يبين لنا جوهر مشروعه الإحيائي الاستخلافي القرآني الكبير:
“القومة والثورة:
كان المسلمون في العهد الأول يميزون بين كلمة «القائم» وبين كلمة «الثائر». فيطلقون الأول على من قام بالحق ضد حكام الجور، ويطلقون كلمة «ثائر» على كل مسلح يحارب السلطان. وفي الحديث النبوي كثيراً ما تقترن مادة «ثار» بالسلاح والاضطراب والحركة العنيفة. والثورة تغيير بالعنف للبيئة الاجتماعية، والقومة تغيير دوافع الإنسان وشخصيته وأفكاره، تغيير نفسه وعقله وسلوكه، تغيير يسبق ويصاحب التغيير السياسي الاجتماعي.
نفضل أن نتميز في التعبير، ونعيد لكلمة «قومة» مدلولها الإسلامي. ذلك أن «ثورة» تحتل اليوم على لسان كل متكلم، وفي خيال كل تواق لصرع الظالمين، مكانة محترمة. وتحمل في طيها معاني وأساليب وأهدافا ليست منا ولم تنبت في أرضنا.” كتاب رجال القومة والإصلاح، الصفحة 9.
أزيدك بيانا وبرهانا وعرفانا أيها القارئ العزيز الباحث عن الحق..
“فنريد أن نُعَبِّر بقومة لأنها تعيد لأذهاننا تلك القداسة التي كان يتمتع بها «القائمون» من آل البيت، الذين حاربوا الظلم والاستبداد، إمامهم في ذلك سِبْطُ الرسول الحسين عليه السلام.
ولسنا نتنقل بين الكلمات لمجرد التميز في اللفظ. فللكلمة والتعبير وأسلوب التخاطب انعكاس مباشر على العمل. ولئن لم نستغن عن العبارات التي نشأت في تاريخ غير تاريخنا، وأرض غير أرضنا، وصدرت عن ذهنية مخالفة لفكرنا، ووظفت في وظائف لا علاقة لها بأهدافنا، نوشك أن يجْرفنا التعبير المنحرف عن قصدنا، إلى انحراف في جهادنا.” رجال القومة والإصلاح، الصفحة 10.
سبحان من فتح له أبواب الفهم وكشف عن بصيرته ظلمات الوهم،
نشهد أمام الله تعالى سيدي أنك قد بلغت..
فهل من مجيب؟!
نحن اليوم بحاجة إلى قومة إسلامية تاريخية عظيمة..
نحن في منعطف حاسم وخطير..
لا منزلة بين المنزلتين..
إما السلامة والهداية، أو الندامة والغواية..
ولله الحمد والمنة مسالك الرشد ليست عنا ببعيدة..
إن مرجعيتها وهياكلها وإطارها الروحي والفكري والحركي بين أيدينا، إن تحلينا بالحقيقة والموضوعية والعدل الذي هو أقرب للتقوى..
كل ذلك مبثوث بشكل كبير في فقه دولة القرآن الكريم والتجربة البطولية والمعاناة المريرة والصبر الأيوبي والاحتساب الشامخ المعجز الذي تجسد في ما عاشه وكابده ودعا إليه الأستاذ عبد السلام ياسين رحمات الله عليه..