أهلا يا رمضان ومرحبا بطلتك البهية، لطالما انتظرناك وزاد الشوق إلى لقياك، فالحمد لله على أول عطايا الرحمان أن بلغنا رمضان. شهر الخير والفيض، الرحمة والمغفرة والعتق من النار. فيه فُرض الصيام وأُنزل القرآن، ونصر الله عباده المؤمنين في أول غزوة لهم ضد المشركين؛ غزوة بدر، غزوة العزة والتمكين. ناهيك عن فضل وشرف موسم الخير هذا، يضاعف الله ثواب الأعمال الصالحة. فلنسارع لتعزيز رصيد الحسنات وتعويض العجز الذي اعتراه طيلة الغفلة، وذلك بالتعجيل بأوبة وتوبة نصوح. لأننا بطبيعتنا البشرية خطائين، ولكن خير الخطائين التوابون. فلنجدد النية ونشحذ الهمة بإتباع السيئة الحسنة تمحها. وفاء بالعرفان وانكفاء عن العصيان وقياما بحق الإحسان. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر”. رواه مسلم.
أما ثاني المنح الإلهية فهي هذا الحديث القدسي؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “قال الله كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل إني صائم. والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه”. متفق عليه.
نستشف من الحديث أن الصوم أكثر العبادات ثوابا، فالله يجازي الحسنة بعشر أمثالها، وقد يضاعف أجر الأعمال الصالحة إلى سبعمائة ضعف، إلا أجر الصوم فيضاعفه أضعافا كثيرة لا يعلمها إلا هو. وهذا ما يوافق قوله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر: 10]، والصيام يجمع أنواع الصبر كلها. فهنيئا لكل مسلم صام إيمانا واحتسابا بهذا العطاء الخفي من الجواد الكريم.
اصطفاء في الدنيا، وفوز في الآخرة، وحب إلهي. يظهر جليا مع ثالث عطايا الرحمان في هذه الدرر السنية.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أَنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: “إِذا جَاءَ رَمَضَانُ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجنَّةِ، وغُلِّقَت أَبْوَابُ النَّارِ، وصُفِّدتِ الشياطِينُ”. متفق عليه.
فسبحانه وتعالى يسوقنا إلى الجنة سوقا، فقد هيأ الظروف وأعد الأسباب من أجل أن نكون على قدر وعظمة هذا الشهر الفضيل. نتسابق إلى الجنة المفتحة الأبواب، بدءا من باب الجهاد؛ جهاد النفس وتزكيتها والارتقاء بها عن الشهوات والفتن. ثم مرورا بباب الصلاة، وذلك بالحرص على الصلاة في وقتها والإكثار من النوافل؛ من تراويح وقيام جماعة في المسجد حسب المستطاع. عروجا إلى باب الصدقة، ببذل المعروف للفقراء والمحتاجين. لا نبخل بإنفاق المال في وجوه الخير وسبل النفع وعلى رأسهم الأزواج والأبناء وكل ذي قربى وصلة، حتى نسهم في قيام مجتمع متكافل ومتحاب.
هذا غيض من فيض، فلنستثمر هذه الأجواء الرمضانية، واللطائف الربانية، فما هي إلا أيام معدودات، ونجد الضيف العزيز قد هم بالرحيل. فلا ندري أهناك بقية في العمر من أجل اللقاء والوصال مجددا.