عماري الإخاء ومصر الشهداء

Cover Image for عماري الإخاء ومصر الشهداء
نشر بتاريخ

مقدمة

مرت أربع سنوات على استشهاد كمال عماري رحمه الله، مدة طويلة عريضة بأشهرها وأيامها، كانت لتكون كافية لإكمال تحقيق فُتِح ولم يغلق، وتقرير طبي رسمي أنجز ولم يخرج، ومحاكمة لا ندري متى تبدأ جلساتها؟

فترة زمنية شهدت في أيامها الأخيرة بمصر الأطهار، الإقدام على الكثير من الهمجية والوحشية والعبث، كان آخرها اغتيال سبعة نشطاء سياسيين برصاص الجيش المصري أمام المنتظم الدولي “الصامت”، الذي تحرك لشارل إيبدو بفرنسا مسارعا ومنددا ومتضامنا بينما أبدى “القلق” بشكل محتشم ومحدود في مصر، مع ما رافق هذه الجريمة المتكاملة من توزيع للأحكام الجائرة الجاهزة، إعدامات “هتلرية”، أبرزها تلك التي صدرت ضد السيد محمد مرسي أول رئيس مدني خرج من صناديق الاقتراع وفضيلة الشيخ القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي للمسلمين وشهداء فلسطين الذين رحلوا عن الدنيا، يا للخبل!

أمور زادت من التأكيد عن “تبعية” القضاء في البلدان العربية، حين يصير وسيلة لتصفية المعارضين السلميين وطبخ الملفات لهم.

وشاءت الأقدار أن يقترن شهر ماي بالشهداء في عالمنا العربي، بين عماري بالمغرب وشباب طاهر بمصر وآخرين بسوريا واليمن، اختلط فيها الموقف وامتزج الحق بالباطل ليتم تخيير الشعوب بين الاستبداد أو “الإرهاب” والفوضى، ولا بديل ثالث أوله الحوار الواسع النافع يعفي الأمة من العنف والدماء.

1 – شهداء مصر وإعدامات بالجملة

وقبل أي حديث عن عماري رحمه الله، لا يمكن القفز على أحداث جارحة وموغلة في الديكتاتورية، الإقدام على إعدام العديد من شباب الثورة بمصر تحت عدة مسميات للكذب على الرأي العام، أحكام تؤكد بالملموس أن الانقلاب العسكري بالأرض المحروسة وصل إلى الباب المسدود، ولم يجد خارطة طريق كما كان يزعم للاستقرار أو الاستمرار، عجز عن توفير الحرية والكرامة والعدالة التي خرج الملايين من أجلها، وفي لحظة ضعف وارتباك أخذ يوزع الأحكام والأختام هنا وهناك فاقدا البوصلة مجانبا العقل والصواب، نظام كان عليه أن يحرص على تجربته الديمقراطية الفتية بكل أخطائها وجراحها ليعطي النموذج كما كان يضرب به المثل أيام الحرب مع “إسرائيل”، ويصحح، ويطور، ويبن ، دون أن يوزع الأكفان والأحزان والفوضى.

2 – عماري.. تذكير

هو شاب مغربي خرج في مسيرات انطلقت بتاريخ 20 فبراير 2011 بالمغرب، آمن بالشعارات التي رفعت خلالها وكان ناشطا بشبيبة العدل والإحسان، ويوم 29 ماي 2011 انهالت عليه هراوات الأمنيين في مجزرة رهيبة كانت إلى زمن مضى ترتكب في الظلام لكنها والحالة هاته قد مورست يا حسرة في النهار أمام أعين المارة، طوقته “الصقور” في إحدى الأزقة الضيقة بمدينة أسفي جنوب الرباط العاصمة ولم تتركه إلا وهو مدرج في دمائه طريح الفراش، ليخلف هذا الاعتداء إصابات خطيرة على مستوى الرأس وكسرا في الرجل اليمنى وكدمات على مستوى الوجه ورضوضا كذلك في جميع أنحاء الجسم خاصة على مستوى الصدر، لتكون النتيجة النهائية لهذا القمع الشرس استشهاده يوم الخميس 02 يونيو 2011 بمستشفى محمد الخامس بأسفي.

لاقى الجرم إجماعا إعلاميا وحقوقيا كبيرا وواسعا، فقد أصدر “المرصد المغربي للحريات العامة” و”الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان”، يوم الخميس 16 يونيو2011 بالرباط، تقريرا بشأن ملابسات وفاة الشهيد كمال عماري وتداعيات الاعتداء على المتظاهرين يوم 29 ماي 2011بآسفي ، أكدا من خلاله على تورط الدولة في الجريمة وطالبا بإنصاف الضحية ومحاكمة الجناة.

وعلى منوالهم ندد الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان- 17 منظمة حقوقية- وشدد على ضرورة المحاسبة.

وأخذ الملف بعدا دوليا حين أصدرت منظمة التحالف الدولية (AFD International) تقريرا يتحدث عن: اختطاف واعتقال ومصادرة (سرقة نهب) الممتلكات الخاصة والسب والقذف والتعذيب والتهديد بالاغتصاب والسجن، ويتم اختطاف واعتقال أعضاء حركة 20 فبراير قبل المظاهرات وخلالها وبعدها. كما سخرت السلطات جميع الوسائل في عين المكان لإرهاب الشباب وإجبارهم على عدم المشاركة في المظاهرات).

بدوره اعترف المجلس الوطني لحقوق الإنسان بمسؤولية الدولة في قتل كمال عماري، على لسان رئيسه إدريس اليزمي الذي قدم تقريرا أمام مجلسي البرلمان يوم الاثنين 16 يونيو 2014، وأقر بـالاستعمال المفرط وغير المتناسب للقوة أحيانا مما تسبب في بعض الحالات في المس بالحق في الحياة (أسفي وأسا) والمس بالسلامة البدنية لبعض المحتجين وخاصة في صفوف النساء والقاصرين ومداهمة بعض المنازل خارج القانون وأيضا تعرض بعض عناصر القوات العمومية للعنف).

سارعت الدولة لتطويق هذه الجريمة بإعلان فتح تحقيق، وأكد السيد خالد الناصري بوصفه الناطق الرسمي باسم الحكومة آنذاك بباريس الجمعة 3 ماي 2011، الذي حل ضيفا على قناة فرانس 24، أن السلطات العمومية قررت فتح تحقيق قضائي معمق) والقيام بـتشريح جثة الهالك)، وأشار إلى أن التحقيق القضائي والتشريح وحدهما الكفيلان بتوضيح الرؤية وتحديد المسؤوليات، مذكرا أن هذه الوفاة وقعت في ظروف يتطلب تحديدها).

ومنذ ذلك الحين، لا تقرير التشريح عرف طريقه إلى الأسرة وهيأة الدفاع، ولا التحقيق اكتمل ولا المحاكمة بدأت، واكتفت الدولة بالاعتراف على لسان “حقوقييها”، دون أن تتحرك وزارة العدل والداخلية لمباشرة المسطرة المترتبة عن هذا الاعتراف.

عجز السيد الوزير الرميد عن التطرق للملف ولو من باب التلميح وهو الوافد الجديد إلى المسؤولية، مما يطرح التساؤلات عن مزاعم إصلاح القضاء التي أطلقها، وكلنا يتذكر حين صرح للعربي 21 وقال: إصلاحات المغرب في مجال العدالة تجاوزت دولا أوربية!). الرجل في تصريحاته “التسويقية”، نسي الملف “المجمد” والعديد من الملفات لعل أبرزها تشميع بيت الأستاذ محمد العبادي الأمين العام لجماعة العدل والإحسان المغربية دون سند قانوني أو حكم قضائي؟

خاتمة

إنه ثمن الحرية الذي كتب على الأمة أن تدفعه في طموحها، لتشهد هذه الدماء الزكية على بشاعة الأنظمة العربية وفظاعة ممارسة أجهزتها الأمنية التي تنفذ “التعليمات” خارج المنطق والقانون في تشابه متقارب.

هل هناك من ضمائر وإنسانية نخاطبها وندعوها للتعقل والحوار وإنصاف الضحايا وفسح المجال لعدالة وديمقراطية حقيقية؟

حقيقة شخصيا أرجو ذلك، لوطن يتسع لجميع أبنائه يحضنهم ويأويهم إليه بعيدا عن براثن عنف الدولة ومليشيات داعش، يحسون فيه بالأمان والكرامة، بمؤسسات دستورية وقانونية قوية تنصفهم وتجبر ضررهم وتحميهم.