إذا كان الرباط أصلا أصيلا في ديننا له في اللغة جذور، وفي كتاب الله وسنة رسوله حضور، وفي تاريخ المسلمين وجغرافيتهم آثار وأخبار وثمار لا تخفى على خبير بصير، فإن كلَّ ذلك مدعاة ليكون للرباط في نُقول تنظيرنا، وفصول تأطيرنا، وحلول تغيير ما بأنفسنا لتغيير ما بالأمة من حولنا مكانٌ أثير ليس له عديل أو نظير. لهذا وَجَبَ أن تُحدَّدَ الغاية منه، والأهداف التي ننشدها فيه وبه بعناية مركزة، لأن تحديد الغاية والأهداف أهم ما في العمل، ولأن أي خلل في هذا المبتدأ يعود سلبا على الخبر وقد يأتي لا قدر الله بعكس ما يُؤمل وينتظر من الأثر والثمر. ولطالما حذر الإمام المجدد من اختلاط الأهداف بالوسائل، واعتبر ذلك من سوء التدبير، ونقص في التخطيط والتقدير.
غاية الرباط
الغاية من الرباط حصرَها الحق سبحانه في كتابه الحكيم في إرادة وجه الله بقوله: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَه (سورة الكهف، 28).
وهل ثمة غاية أعلى وأغلى وأحلى من إرادة وجه الله رب الدنيا والآخرة، ومن فيهما وما فيهما، له وحده البقاء والدوام. كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانِ * وَيَبْغِى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ (سورة الرحمن، 24-25).
الأهداف التربوية العامة للرباط
وتصدر عن هذه الغاية وتنبثق عنها أهداف تربوية عامة نستحضر منها ما يلي ذكرا لا حصرا:
أولا: الصبر عن المعصية ما ظهر منها وما بطن؛ حصائد الألسنة، وخائنة الأعين، وحالقة القلوب، وما تخفي الصدور…
ثانيا: الصبر على الطاعة والمداومة عليها بإثبات أعمال اليوم والليلة المفروضة منها والمسنونة.
ثالثا: صبر النفس مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه؛ حسن ظن بهم، وإيثارا لهم على نفسك، مع دوام البشر والتبشير، ولزوم خدمتهم ومواساتهم مع كمال الاحترام والتقدير.
رابعا: تعلم ضبط الوقت وحسن استغلاله وإدارته. وكم من أوقات نفيسة تضيع خارج الرباط ويتوهم الإنسان ألا سبيل إلى إحصائها كما، وحسن استغلالها كيفا لضيق الوقت أو كثرة الأشغال، فإذا هو في الرباط يجد من نفسه بدعم من إخوته نشاطا من عِقال، وقدرة وقوة على إنجاز تلك الأعمال والاستزادة منها بلا ملل ولا كلل، ولا تسويف ولا تراخ ولا إهمال.
خامسا: التأكيد على أهمية وضرورة وبركة العمل الجماعي المنظم الذي يقويك من ضعف، ويجمعك من شتات، ويساعدك على الالتزام، ويجعلك لبنة في بنيان مرصوص قوامُه المحبة والأدب والتعاون، والاحترام والانسجام والاقتحام، والتراضي والتياسر والتسامح عملا بالأركان، وتقوية للإيمان، ونشدانا للإحسان.
سادسا: تعلم العلم النافع المنشئ للعمل الصالح، لا علم الكلام والجدل الباعث على التنازع والفشل.
سابعا: الرباط مفتاح لأقفال القلب، وأبواب الخير، وآفاق الدعوة والجهاد، وهي درجات سُلم صاعد بالعبد في مدارج العكوف على طلب وجه الله، والإلحاح في طرق باب الله حتى يفتح الفتاح فيدرِجنا في سلك أهل الصلاح والفلاح.
من كتاب “الرباط.. أفضل وسيلة لأكمل غاية” للأستاذ منير ركراكي، الطبعة الأولى 1442هـ/2021م، ص 37-38.