غزة تستغيث، غزة تباد عن بكرة أبيها يا حكام المسلمين، فهل من مغيث؟ هل من مجيب ونصير؟
نسائل حكام الدول الإسلامية التي يفوق عددها 57 دولة، والتي يبلغ عدد سكانها 2 مليار نسمة؛ يشكلون 25% من سكان العالم، ويملكون قدرات وإمكانات مالية واقتصادية وبشرية كبيرة، وثروة ضخمة، وقوة عسكرية مبهرة عدة وعتادا، وجيوشا قوية جرارة، وخبراء في الجيش من قادة وجنرالات ذوو كفاءات عالية.
نسائل هؤلاء الحكام عن الشعب المسلم المستضعف في غزة؛ الذي يستغيث، يباد ويحرق ويذبح أطفاله وتقتل نساؤه وتنتشر أشلاء أجساد الشهداء في كل مكان في غزة، ويهجر هذا الشعب من أرضه على يد حفنة من اليهود الصهاينة الملعونين، قتلة الأنبياء والمرسلين.
لقد كان سيد الخلق وسيد المجاهدين وسيد الإنسانية وسيد العالم وسيد الغر الميامين قبل الرسالة وبعدها يجيب المستغيث المستضعف المظلوم وينتصر له، وكان يعين على نوائب الحق كما وصفته أمنا خديجة رضي الله عنها، أخرج ابن هشام في السيرة (أن أم المؤمنين خديجة عليها السلام لما نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء عندها عليه الصلاة والسلام يرتجف، قالت له رضي الله عنها: كلا، أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق).
وكان عليه الصلاة والسلام يحب حلف الفضول، وهو حلف رد المظالم إلى أهلها ونصرة المظلوم وقهر الظالم، قال عنه عليه الصلاة والسلام: “لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم ولو دعيت به في الإسلام لأجبت”. قلت: واأسفاه؛ حلف الأمم المتحدة اليوم ينصر الظالم على المظلوم، وبنو صهيون نموذجا!
وهذا رسول الله عليه الصلاة والسلام ينتصر للإراشي المظلوم الذي ابتاع منه الظالم أبو جهل لعنه الله عزوجل إبله ولم يسدد له أثمانها، فأعانه عليه الصلاة والسلام على رد ماله من أبو جهل الذي يكن الحقد والكره لرسول الله عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك ذهب رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى دار أبي جهل وأمره (أمره ولم يستعطفه لأن الامر فيه قوة والاستعطاف فيه هوان وتذلل) بأن يعطي الإراشي ماله فأعطاه إياه، قال أبو جهل لزعماء قريش: “والله ما هو إلا أن ضرب على بابي -يعني الرسول عليه الصلاة والسلام- وسمعت صوته فملئت رعبا ثم خرجت إليه، وإن فوق رأسه لفحلا من الإبل ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط، والله لو أبيت لأكلني” (سيرة ابن هشام).
إن من أهم مهام الرسل والأنبياء بعد توحيد الله عز وجل التي من أجلها ابتعثهم الله عز وجل نصرة المستضعفين في الأرض، قال عز من قائل: ونُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (القصص: 5).
وقال سبحانه وتعالى: وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا (النساء: 75).
عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته” (رواه أحمد). قال ابن تيمة رحمه الله: “نصر آحاد المسلمين واجب بقوله صلى الله عليه وسلم انصر أخاك ظالما أو مظلوما”.
ولنا في تاريخ المسلمين نماذج مشرفة في تقديم الغوث والدعم والعون والنصرة للمسلمين المستضعفين. لما اجتاح ملك الروم الصليبي ملك عمورية في الأناضول وهي أهم المدن الرومية آنذاك بمئة ألف جندي مدججين بأنواع السلاح والعتاد والمجانيق مدينة ملطية الإسلامية فدمرها عن بكرة أبيها، قتل الشهداء ومثل بأجسادهم وحرق المدينة وأسر نساءها، فاستغاثت امرأة مسلمة أسيرة مستضعفة اسمها شراة العلوية بحاكم بغداد الملك المظفر ملك الدولة العباسية المعتصم فلبى نداء المسلمين (بغداد في العراق وعمورية في تركيا، زحف إليهم المعتصم رغم بعد المسافة) وخرج بجيش جرار يقوده بنفسه “جمع المعتصم قادته وسألهم فقال: أي بلاد الروم أمنع وأحصن؟ فقيل: عمورية، لم يعرض لها أحد من المسلمين منذ كان الإسلام، وهي عين النصرانية وبنكها، وهي أشرف عندهم من القسطنطينية” (ابن كثير، البداية والنهاية). فانتصر للمسلمين المستضعفين وفتح الله على يديه عمورية وأذل ملكها الصليبي توفل ابن ميخائيل.
يقول الشاعر أبو تمام في قصيدته الشهيرة بمناسبة فتح عمورية:
السيف أصدق أنباء من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب
ويقول:
يا يوم وقعة عمورية انصرفت
منك المنى حفلا معسولة الحلب
أبقيت جد بني الإسلام في صعد
والمشركين ودار الشرك في صبب
ولما قاد ملك قشتالة الصليبي ألفونسو السادس حملة صليبية ضخمة على الأندلس، قام أهل الأندلس شعبا وعلماء وأمراء بطلب النصرة من أمير المرابطين المظفر يوسف بن تاشفين، فاستجاب لهم وعبر البحر بجيش المرابطين لنصرة مسلمي الأندلس، وسار إليه ألفونسو في جيش كبير احتشد من أرجاء أوروبا، وانتصر فيها المسلمون انتصارا عظيما في معركة الزلاقة. يقول المقري التلمساني في نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب: (وكان يوسف بن تاشفين لاتزال تقدم عليه وفود ثغور الأندلس مستعطفين مجهشين بالبكاء ناشدين الله والإسلام مستنجدين بفقهاء حضرته ووزراء دولته فيسمع لقولهم ويصغي إليهم وترق نفسه لهم).
وهذا المستعمر الصليبي الفرنسي لما اجتاح بلاد المسلمين في الجزائر واعتدى على المسلمين المستضعفين الجزائريين بالتقتيل وبحرق الأرض والأطفال والنساء والشيوخ، وبالتدمير وهلك الحرث والنسل، وتسبب في أكبر جرائم الحرب ضد الإنسانية، وقدم الجزائريون مليون شهيد، هب المغاربة لنصرة إخوانهم الجزائريين فقدموا كل أشكال النصرة والدعم لإخوانهم؛ من فتح الحدود للمقاومين والمجاهدين، ومدهم بالسلاح والعتاد، ودعمهم سياسيا وعسكريا وشعبيا، بل شاركوهم القتال ضد المستعمر الصليبي الفرنسي، وقدم المغرب كثيرا من الشهداء في سبيل نصرة إخوانهم حتى خرج المستعمر الصليبي الفرنسي من أرض الجزائر الإسلامية صاغرا مذلولا. واأسفاه؛ غزة الآن محاصرة من حكام المسلمين؛ كل المعابر والحدود مع أراضي المسلمين مسدودة!
يا حكام المسلمين، يا جيوش المسلمين، يا علماء المسلمين، يا شعوب المسلمين، يا أحرار المسلمين؛ والله إنكم يوم القيامة موقوفون أمام الله عز وجل ومسئولون عن المسلمين المستضعفين في غزة الأبية؛ مسئولون عن شهدائها من الأطفال والنساء والشيوخ، مسئولون عن الإسلام في غزة، عن مساجدها التي أحرقت وسويت بالأرض، مسئولون عن خذلانكم وتقاعسكم في تقديم الغوث والعون والنصرة لغزة. إنكم مسئولون عن سكوتكم وصمتكم وإخوانكم في غزة يبادون عن بكرة أبيهم، وعن موالاتكم لليهود الصهاينة الطغاة المتجبرين المتوحشين الملعونين قتلة الأنبياء والمرسلين، أليس منكم رجل مسلم رشيد؟ فما هو عذركم حينما يأمر الله عزوجل ملائكته لتوقفكم أمامه وهو الجبار القهار سبحانه وتعالى، ويسألكم عن خذلاناكم لإخوانكم المسلمين في غزة وتقاعسكم في تقديم النصرة لهم؟ يقول الحق سبحانه وتعالى: وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْـُٔولُونَ (الصافات: 24).
ولا عذر لكم يوم تشهد عليكم غزة الجريحة بأطفالها ونسائها وشيوخها ومساجدها ومآذنها، وتشهد عليكم جوارحكم، يقول سبحانه وتعالى: وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (فصلت: 21).