غزة وغزوة الخندق: ملحمة الثبات والوفاء ووعد النصر..

Cover Image for غزة وغزوة الخندق: ملحمة الثبات والوفاء ووعد النصر..
نشر بتاريخ

في تاريخ الأمة الإسلامية محطات فاصلة كانت ميدانا للصراع بين الحق والباطل، وبين إرادة المستضعفين وجبروت الظالمين. ومن أبرز هذه المحطات، غزوة الخندق في عهد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومثال على ذلك ما نراه رأي العين اليوم فيما يعيشه قطاع غزة من إبادة جماعية ومن حصار وتجويع، ولكن أيضا من مقاومة وصمود قل نظيره في التاريخ الإنساني.

 وفي هذا المقال، نقف في نقاط، لنربط بين الواقعتين، مستندين إلى آيات القرآن الكريم وأحداث السيرة النبوية، لبث الأمل في الصامدين، القابضين على الجمر، في القطاع، وحث الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم على تجديد العزم والنهوض لنصرتهم، بعيدا عن التعويل على الحكام المتخاذلين.

1-      تحالف الأعداء لكسر شوكة المسلمين

كما اجتمعت قريش والقبائل العربية مع يهود بني قريظة في غزوة الخندق لإبادة المسلمين، اجتمعت القوى الصهيونية والعالمية اليوم على غزة، بهدف القضاء على مقاومتها وتهجير سكانها.

روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه: “كان أهل الخندق في ضيق وشدة وجهد جهيد، حتى إن أحدهم ليحفر وهو لا يستطيع أن يرفع رأسه من شدة الجوع.” لكن كما فشلت القبائل المتحالفة في كسر شوكة المسلمين، سيفشل العدو في تركيع غزة.

2-      الحصار الخانق وسد المنافذ

عانى المسلمون في المدينة من الحصار والجوع والبرد، كما يُفرض على غزة اليوم حصار يمنع الغذاء والدواء تحت القصف والقتل والتدمير المستمر، لكن الإرادة تزداد صلابة بإذن الله تعالى، ويعلم الشعب الفلسطيني أن هذه الطريق، طريق المقاومة، هي الطريق الوحيدة التي أدت إلى التحرير في الأوطان العربية والإسلامية، قبل أن يؤول الأمر في غفلة من أهلها إلى عملاء وخونة قتلوا الشرفاء واستنزفوا الخيرات وباعوا الأوطان للعدو الذي أخرجته سواعد المقاومة، فارتكست الأمة إلى تخلف وذلة وهوان، اضطر معه أحرارها إلى مشوار طويل من أجل تحرير ثان متعدد الأشكال والأوجه والمنهجيات والسبل، له أثمانه وكلفته، نعم، وله أخطاؤه أيضا نعم. لكنه، حتما بإذن الله سيعيد لهذه الأمة عزتها ومجدها.

قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: “رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم جوعا شديدا، فذهبت إلى امرأتي، فقلت: هل عندك شيء؟ فإني رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا لا أطيقه. فأتينا بخبز قليل ولحم، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم الطعام دعا أهل الخندق، فأكلوا حتى شبعوا، وكان ذلك من بركة النبي.” صلى الله عليه وسلم.

3-      الخوف والفتن الداخلية

واجه المسلمون في المدينة حملة تهويل إعلامية من المنافقين الذين قالوا: مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (الأحزاب: 12)، كما نرى اليوم بعض الأصوات الانهزامية التي تدعو للاستسلام، ورفع الرايات البيضاء، ونعلم في تاريخنا الحديث عواقب استسلام المقاومة وترك السلاح بعد 1982 في بيروت، وبعد أوسلو في الضفة الغربية، وكيف أدى ذلك إلى التفريط في حقوق أخرى وإلى تغول للعدو الصهيوني وحلفائه، وكيف اكتسح الضفة وصادر مزيدا من الأرض وضاعف تنكيله بالشعب الفلسطيني. ثم عكس ذلك يسجل التاريخ الحديث القريب أن العدو لم يجلسه للتفاوض إلا المقاومة، ولم يرتدع إلا بها، مع طالبان في أفغانستان ومع المقاومة في قطاع غزة بعد 15 شهرا من العدوان المدمر على شعب أعزل. فكيف يطلب من فرسان الأمة التفريط في لواء العز والشرف وقهر العدو الذي هو سلاح المقاومة؟!!

4-      المقاومة بالإبداع رغم قلة الإمكانيات

حفر المسلمون الخندق بأسلوب دفاعي غير مسبوق، وفي غزة تقاتل المقاومة بأساليب مبتكرة، تصنع السلاح من القليل المتاح، وتحبط خطط الاحتلال.

5-       المدد الإلهي في أحلك الظروف

حينما بلغ الخوف أشده، أرسل الله ريحًا وجنودًا لم يروها، ففرّ الأحزاب يوم الخندق خائبين. وفي غزة، رغم ضعفها، تفشل خطط الاحتلال مرارا. فيندحر بعد 15 شهرا ثم يعود للعدوان من جديد بأمل جديد، يخيب خيبة كبرى بإذن الله، ولن يسعفه إلا الجلوس للمفاوضات بشروط مشرفة للمقاومة ولأهل غزة وللأسرى ولفلسطين. الأثمان باهظة نعم، لكن ليس هناك طريق آخر من أجل ردع العدو وكسر جبروته واندحاره عن فلسطين.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: “اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة.” 1

6-       خذلان المنافقين والمتخاذلين

كما تخاذل المنافقون في غزوة الخندق، يتخاذل اليوم بعض الحكام العرب والمسلمين، بل إن بعضهم يطبع مع العدو بدل مقاطعته وتتخلف كثير من الشعوب العربية الإسلامية عن خروج الجماهر إلى الميادين نصرة لغزة وتنديدا بحرب الإبادة والتهجير التي تستهدف القطاع .

7-       لحظة طوفان الأقصى: فرصة تاريخية

مثلت عملية “طوفان الأقصى” منعطفًا فارقًا في تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني، حيث اهتزت أركان الاحتلال. لو عرفت الدول العربية والإسلامية كيف تستغل هذه اللحظة، لتغير مجرى التاريخ.

كان يمكن وقف التطبيع، وفرض ضغوط اقتصادية، وإطلاق مقاومة شعبية، لكن التخاذل الرسمي أضاع الفرصة. ومع ذلك، يبقى الأمل معقودًا على الشعوب الحرة.

8-      البشرى بالنصر رغم المحن

عندما ضرب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الحجر في الخندق، بشر أصحابه بفتح الشام وفارس واليمن، رغم الحصار. واليوم، يرى الصادقون أمل النصر يتولد من المعاناة الكبيرة العظيمة لأهل غزة، بثباتهم وبأداء المقاومة.

9-      التضامن والتكافل في زمن الشدة

في غزوة الخندق، تقاسم المسلمون الطعام القليل وصبروا معا، كما يحدث في غزة حيث يتقاسم الناس الخبز والماء رغم قلة الموارد.

10-   الإعلام المضلل والدعاية الكاذبة

كما نشر المنافقون في المدينة أكاذيب لزعزعة ثقة المسلمين، ينشر الإعلام الصهيوني وداعموه أكاذيب لتشويه المقاومة والتغطية على جرائم الاحتلال.

11-  المرأة شريكة في الصمود والمقاومة

كما كانت النساء في المدينة يساندن الرجال بالصبر والتربية والتوجيه، فإن نساء غزة اليوم يشاركن في الصمود والتحدي، ويقدمن الشهداء والمجاهدين.

12-  دعاء الصالحين وتحقيق النصر

قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في أحلك لحظات الحصار: “اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، سَرِيعَ الحِسَابِ، اهْزِمِ الأحْزَابَ، وزَلْزِلْ بهِمْ.” 2 وفي غزة، لا ينقطع الدعاء بأن ينصر الله المقاومة، ويثبت أقدامهم، ويفك الحصار عنهم.

13-  النصر وعدٌ إلهي لا يتخلف

وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ(الحج: 40). وكما نصر الله المؤمنين في الخندق، سينصر أهل غزة، بشرط الثبات والصبر والتوكل على الله.

كما كانت غزوة الخندق اختبارا حقيقيا، فإن غزة اليوم تختبر الأمة. فمن انحاز للحق، فهو على درب النصر، ومن تخاذل، فقد اختار أن يكون من المرجِفين والمنافقين. لكن العاقبة للمؤمنين، وثبات غزة بمقاوميها ومدنييها يمثل خطوة صحيحة على طريق النصر القادم بإذن الله، وما ذلك على الله بعزيز.

نصر الله غزة وأهلها، ورفع راية الحق عاليا.

الرباط 01 شوال 1446

31 مارس 2025

 


[1] أخرجه مسلم (1804)، والترمذي (3856)، وأحمد (22815) واللفظ لهم.
[2] أخرجه البخاري (7489)، ومسلم (1742).