يأتي احتفال الشغيلة المغربية هذه السنة بالعيد الأممي للعمال في سياق دولي يتميز بتعاظم سلطان الرأسمال العالمي ونهبه لمقدرات الشعوب، وسياق وطني سمته الأساسية أوضاع أقل ما يقال عنها أنها مأساوية بفعل تدهور القدرة الشرائية وقوة التحالف الذي يجمع أرباب العمل بالمخزن، لضرب ما تبقى من كرامة ومكتسبات الطبقة العاملة، مع تضخم أخطبوط ” المخزن الاقتصادي” وفسح المجال واسعا أمام ” اقتصاد الريع”، وتملص خدام المخزن من ضرائب مستحقة، وسطو في واضحة النهار على ممتلكات الشعب مع تعميم سياسة “اللاعقاب”.
كنت أروم في مقالتي هذه، توظيف لغة جميلة ومتفائلة لتهنئة الشغيلة المغربية بعيدها الأممي، لكن عمق الأزمة وطبيعتها المركبة المعقدة فرضا علي الوقوف بجدية على مفاصلها، والإسهام في طرح حلول يبدأن إيجادها أضحى مسألة حياة أو موت بالنسبة للعمل النقابي.
فاتح ماي …حقوق مهدورة ووعود منقوضة.
منذ أن أسست الدولة المغربية للحوار الاجتماعي من خلال اتفاق فاتح غشت 1996 واتفاق 19 محرم 1421( 24 أبريل 2000 ) واتفاق 13 ماي 2002 ثم اتفاق 28 يناير 2004 واتفاق 14 دجنبر 2005….ووو… وحالة التوتر والاحتقان في أوساط الشغيلة المغربية تتأجج وتزداد بفعل نتائجه الهزيلة وانعكاساته السلبية.
فإذا كان الحوار في المجتمعات المتحضرة وسيلة لتقريب وجهات النظر ورأب الصدع بين مختلف الفرقاء الفاعلين في حقل الإنتاج لتأسيس علاقات شغل سليمة، فإنه بالمغرب كان ولا يزال وسيلة لانتزاع ” سلم اجتماعي ” مجاني.
ومما زاد الطين بلة إقدام الحكومة على زيادات صاروخية، ابتدأتها بالزيادة في أسعار المحروقات ( 5 مرات إلى الآن ) وشملت العديد من السلع والخدمات الأساسية السكر، الدقيق، الزيت، الحليب، الماء، الكهرباء، النقل…الشيء الذي ألهب جيوب العمال وعموم الشعب المغربي.
كل هذا والنقابات لاذت بالصمت المطبق وفي أحسن الأحوال تتحرك بشكل خجول، مما دفع بعض الفاعلين لتأسيس ” تنسيقيات محلية ” لمواجهات موجات الغلاء دون جدوى.
بعد أزيد من عقد من الزمان على أول اتفاق للحوار الإجتماعى( فاتح غشت 1996) يحق للشغيلة المغربية أن تسائل الطرفين معا، حكومة ونقابات: أين وعود تحسين الأوضاع الاجتماعية؟ أين ذهبت مداخيل خوصصة القطاعات الحيوية؟ أين حصيلة الحوار؟ من تقاضى ثمن السلم الاجتماعي؟
أزمات بعضها فوق بعض.
لعل الوقوف على مكامن الداء أول الأولويات قبل توصيف الدواء، من هنا ضرورة إبراز أهم أزمات العمل النقابي، والتي أجملها فيما يلي:
1- طبيعة الحكم بالمغرب والذي لا يحتمل وجود قوة منافسة سياسية كانت أو نقابية أو غير ذلك، فقراءة تاريخية سريعة لما بعد ” الاستقلال ” تظهر كيف ” اجتهد ” النظام المغربي في تشتيت العمل النقابي والسياسي وتوظيفه لأخس الأساليب في ذلك ( انظر شهادة رجل الاستخبارات البوخاري في الإيقاع بالمناضلين والزعماء ).
2- سياق دولي يسعى لتقزيم العمل النقابي خصوصا بعد انهيار المعسكر الشرقي وانتفاء ضرورة ” مجتمع الرفاهية ” الذي كان العالم الرأسمالي يبرزه كجنة موعودة في وجه شعوب ما وراء جدار برلين.
3- الولادة غير الطبيعية للعمل النقابي الوطني إبان الاستعمار، حيث كانت أجندته الحقيقية إخراج المستعمر لا الدفاع عن مصالح الشغيلة، من هنا تبعية النقابي للسياسي، ووجود أغلب الأمناء العامون للنقابات في الهيآت القيادية للأحزاب المغربية.
4- التعددية المرضية: إذا كانت التعددية تجليا لممارسة ديمقراطية رشيدة في العالم المتحضر، فإنها أضحت عندنا بالمغرب وسيلة فعالة لإضعاف العمل النقابي من طرف النظام، وأداة للاسترزاق والزعامة عند بعض مناضلي آخر الزمان، وضرورة لكثير من الأحزاب المنشقة حتى وصل العدد 30 نقابة، لا تكاد تجد لأغلبها أثرا في ميدان الممارسة النقابية أو في البناء النظري .
5- انعدام مبدأ الاستقلالية: كانت الوصاية الحزبية ولا تزال واحدة من أسوإ معاول الهدم والتشتيت للعمل النقابي، فكلما انشطر حزب انشطرت نقابته وضعفت وأصبحت ألعوبة بيد النظام و” الباطرونا ” .
6- غياب الوعي النقابي عند فئة عريضة من الشغيلة وضعف التنقيب ( نسبة العضوية بالنقابات بين 10% إلى 15% ) وسيادة النفعية والانتهازية.
7- غياب الديمقراطية وحضور البيروقراطية والتسلط: نتج عنه تصلب خطير في شرايين النقابات وتكلس للأفكار منذر باندثارها. مرة اجتمع مناضلو” الاتحاد المغربي للشغل ” بمدينة الخميسات وانتخبوا كاتبا للفرع لم يرق لسعادة الأمين العام، فنزل بثقله التنظيمي وأعاد تشكيل المكتب بما يروق هواه ويرضيه…ولتحيى الديمقراطية.
8- شيخوخة القيادات: أغلب الزعماء النقابيين عندنا بالمغرب لا يرون مكانا لهم غير القيادة، ” ينتخبون ” ويعاد ” انتخابهم ” في مؤتمرات وطنية بالإجماع والزغاريد والتصفيق ويبقون كذلك لعقود من الزمن، منهم من تجاوز الخمسين سنة في القيادة ولم يبق له إلا أن يحضر الاجتماعات محمولا، حولوا النقابة لزاوية تمارس فيها طقوس لا تمت للعمل النقابي بصلة.
بعد هذا تبقى الأسئلة قائمة: ما هي السبل لتجاوز أزمات العمل النقابي المؤذنة بخرابه واندثاره؟ وأية نقابة نريد؟ وما طبيعة العلاقات المثلى بين أرباب العمل والنقابات والدولة؟
استخلاص حق العامل شرطه القوة.
إذا كان شرط قوة النقابة ضروريا لانتزاع المطالب المشروعة للعمال فإن تقوية الذات النقابية وتمنيعها والدفع باتجاه توحدها يصبح المدخل الطبيعي لتحقيق ذالك. من هنا تصبح الدعوة لجبهة نقابية المخرج للطبقة العاملة من حالة الضعف والتشرذم التي تعيشها.
ولتحقيق ذلك وجب توفير جملة شروط أهمها:
ذاتـــيـــــا:
1- اعتماد شرط الكفاءة والنزاهة لتولي المسؤوليات النقابية، وتفعيل الديمقراطية الداخلية.
2- البعد عن شعار ” الزعامات التاريخية ” المحنطة.
3- توزين العامل الذاتي لدى المناضلين النقابيين بالتكوين والتدريب والممارسة الميدانية.
4- تجسير الهوة بين مختلف مكونات الصف النقابي.
5- التواصل مع الشغيلة وتبني قضاياها بقوة لتقزيم حالة عدم الثقة عندها.
موضوعيا:
1- امتلاك الدولة لقرارها السياسي وعدم ارتهانها للرأسمال محليا كان أم أجنبيا.
2- شراكة حقيقية بين الطبقة العاملة وأرباب العمل والدولة الراعية لحقوق الجميع دون انحياز.
3- وعي مكونات المجتمع بأهمية العمل النقابي والدفع باتجاه تقويته مع البعد عن توظيفه.
ترى هل يأتي على الشغيلة المغربية عيد عمالي وقد تخلصت من فرقتها وضعفها وحازت حقوقها المشروعة؟؟؟ دون ذلك عمل وجد ونضال ومثابرة.
تحية لكل العمال وكل المضربين وكل المفصولين من عملهم وكل شرفاء هذا البلد الذين يجدون ويكدون لكسب اللقمة الحلال…وكل فاتح ماي والشغيلة المغربية عازمة على تغيير أوضاعها.
وزان في 25/04/2007 م