فضفضة رمضانية

Cover Image for فضفضة رمضانية
نشر بتاريخ

رمضان ولادة جديدة، توبة جديدة، همة جديدة، إحساس جديد، جسم جديد، روح جديدة …

رمضان قلب جديد، هذه اللطيفة الروحانية التي جعلها الله محلا لكل شيء جلل وجميل: الإيمان والرحمة والحب والمودة وكل المشاعر الطيبة …

يتجدد الإيمان فتتجدد كل المشاعر الإنسانية الرقيقة إلا أننا نَصُمُّ قلوبنا وكأن كلمات: مودة، وحب، ورحمة، تنتقص من رجولة الرجل وكبرياء المرأة، عادات ورثناها عنوة، وما زالت تشوش علينا حتى في أصفى الأيام، إن القلب الذي يقف منكسرا أمام الله في هذه الأيام المباركة لا يُخْدش كبرياءه إذا لاطف الزوجة بكلام رقيق يُعيد قطار المحبة إلى سكّته، بعد أشهر من الجفاء وسوء الفهم الذي أصبح سلوكا دائما بعد أن كان عارضا عابرا، إذا لم تنصلح القلوب الآن فمتى يا ترى تنصلح؟ وإذا لم ينقدح زناد المحبة فمتى يا ترى ينقدح؟

أختي، أخي، نحن كيان من العواطف الرهفة تغذيه مجموعة من الأخلاق العلية، وكما جاء الدين لتطهير القلوب من أكدار الشرك والكفر والمعصية، جاء لتطهيره من أدران الحقد والكره والضغينة…

في تعريف الصيام باعتباره إمساك عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، يذكرنا هذا أن الإنسان يستطيع العيش بل طعام ولا شراب ولا شهوة.. ولكن لا يستطيع العيش بلا عاطفة، فقد كان عليه السلام، وهو أملك لإربه، يقبل زوجه في نهار رمضان قبلة الحب لا قبلة الشهوة، عسى أن تكون خطوة نحو حب جديد مجرد من كل شهوة.

مثلما يمنع الكبرياء المتعجرف العبد من توبة المعاصي قد يمنعه الكبرياء نفسه من توبة الجفاء.

لرمضان ثمرة قد يمنع قطافها عقوق أم، أو غضب والد، أو انكسار زوج، أو جفاء أبناء، لذا أخي أطلق العنان لقلب جعله الله كبيرا، لا تجعله ضيقا متحجرا، وانثر ورود الحب فيمن حولك، فما أحوج مجتمعنا إلى حب عفيف طاهر، ينقذ العواطف من موات، ولا تنس أنّ من حولك هم قلوب قبل أن يكونوا أجسادا، قلوب تهفو لكلمة طيبة رقيقة حانية..

قبّل يد زوجتك التي اتخذت المطبخ الملتهب محراباً في شهر الرحمة، ليس عشقا في الطبخ ولكن عشقا في أسرتها وطاعة لربها، لتقبِّل هي أيضا رأسك على هذه الالتفاتة المؤمنة، قلت مؤمنة لأن الحب الطاهر والإيمان الفياض يصدران من مشكاة واحدة وهي القلب.

عانق الأبناء ودع الأرواح أيضا تتعانق، عانقهم بجسدك حبا واحتضانا، وعانقهم بروحك وأنتم تركعون وتسجدون في لمة أسرية رمضانية إيمانية، ضُم ابنك، ضُمي ابنتك ولنتترك القلوب تتناجى، وتسترجع أيام الصبا، وَلْنُحْي ذكريات حنين طواه النسيان.

كتمنا عواطفنا إلى حد الاندثار ونسينا أن الحياة حب كما العبادة حب.

لنستقبل أبناءنا وأزواجنا وذوينا، بعد هجر، كما استــقبلنا رمضان.

لنتب في هذا الشهر من الهجران كما تبنا من العصيان.

أبو زرع الحبيب الكيس الذي خُلد ذكره بمعاملته الراقية لزوجته، من شدة إعجاب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذا الرجل الرقيق، قال لأمنا عائشة رضي الله عنها :(كنت لك كأبي زرع لأم زرع).

أمنا خديجة الحبيبة الطيبة رضي الله عنها، كلما ذُكرت بدايات الوحي جاء ذكرها معه، خُلد ذكرها لأنها كانت تخدم رسول الله وبقناعة الحب، وواسته بلغة الحب، وأخذته إلى ورقة بن نوفل بحرص الحب، وآمنت به فارتقى الحب درجات (شجرة الحب المسقية برحيق الإيمان أعظم شجرة، هنيئا لمن ذاق ثمارها). كلما ذكرت بدايات الوحي ذكرت خديجة الحكيمة اللبيبة رضي الله عنها، وترددت على مسامعنا كلماتها الخالدة: والله لا يخزيك الله أبدا. ما أحوج الرجل إلى هذه الشهادة يسمعها من رفيقة عمره.

يا باحثة، ويا باحثا عن معاني الإيمان بعيدا، التفت إلى قلب زوج بجوارك طال اشتياقه لكلمة طيبة منك.

زهور أذبلها طول الجفاء قلوب اعياها ضغط العناد.

لقد مضى الكثير ولم يبق إلا القليل، لحظات الوفاق واللقاء بدأت تنقضي وعما قريب يكون الفراق.

كما تبسطين أختي وتبسط أخي السجادة، وتنتصب واقفا وتطلق العنان لقلبك محررا إياه من قضبان جسدك، مُرخيا عنانه يحلق في ملكوت ربه، ابسط مشاعرك وأطلق العنان لقلبك وحرره من قضبان الجفاء والهجر، ودعه يحلق في معاني الحب والمودة.

فمن لا يملك قلبا يحب ويصفح ويسامح ويعفو، لن يملك قلبا يؤمن ويرتقي ويسمو.